ما وراء مؤتمرَي غروزني والكويت

ما وراء مؤتمرَي غروزني والكويت
ما وراء مؤتمرَي غروزني والكويت

محمد سلامي

نشر في: 26ـ11ـ2016

عادت المجمَّعات الكنسية كتلك التي عُقدت في نيقية وخلقيدونية للظهور من جديد على أيدي أحبار هذه الأمة ورهبانها، وبيعت صكوك الغفران بلا حساب، وصدرت قرارات الحرمان على الهراطقة اليتامى الذين لا “بابا” لهم، فلم تعد المجهودات الفردية ولا المؤسسات المحلية كافية، بل لا بد من توحيد الجهود وتنسيقها، وعَقد مؤتمرات دولية للإقصاء والتصنيف والتبديع والتكفير مما يمنعونه عن غيرهم ويجرّمونه بالقانون، مثلما يحرّمون القتال على غيرهم ويبيحونه لأوليائهم.

ليسوا بحاجة طبعا إلى أدلة وبراهين من قول الله ورسوله على إدخال هذا في سنّتهم أو إقصائه منها، ولكن

       إذا قالت حَذامِ فصدِّقوها    فإن القول ما قالت حذامِ

الجميع يبرر واقعه ويحمي كيانه، لا يبحث عن المعتقد الحق، بل يُقولب التعريف حسب مقاييسه، لطمأنة الأتباع، ويبقى الجميع على ما هم عليه.

أحدهما تابع للتحالف الشرقي والآخر تابع للتحالف الغربي، ولا ننسى أن الحِلفين ليسا كحلفي وارسو والأطلسي، ولكن للحلفين هذه المرة عدو واحد، وقد اجتمع بطريَرك الأرثوذكس وبابا الكاثوليك لأول مرة منذ ألف عام لمباركة الحرب المقدسة، مع العلم أنهما لم يلتقيا زمن الحملات الصليبية في القرنين الثاني عشر والثالث عشر، أما باباوات الحلفين عندنا فبعضهم أعداء بعض في إطار صراع بين تحالفات إقليمية وعالمية تريد تمزيق ما بقي من دين ليتدثّر كل واحد بقطعة منه.

فبعد الإنشقاق الكبير للنصرانية بين كنيسة شرقية وأخرى غربية (شيعة ـ سنة) وصل الإنشقاق إلى الكنيسة الغربية، لكن لم يخرج اللوثريون والكالفينيون لرفع راية الإصلاح الديني، بل وقع الإنشقاق في الفاتيكان نفسه، باجترار الإنشقاقات القديمة وإخراجها من الأرشيف، فأحيى معارك اليعقوبية والنسطورية والملكية، وأدار الصراع حول الماضي لا الحاضر، وهذا الذي يؤدي بالضرورة إلى حرب الثلاثين عاما التي بشّر بها أوباما، والتي أبيد فيها النصف أو أكثر من بعض الشعوب الأوربية (1618م ـ 1648م).

أما من يسعى لإصلاح ما أُفسدوه من دين المسيح ومحمد عليهما الصلاة والسلام فالقاسم المشترك بين كل (الكنائس) هو محاربته تحت عنوان (لبيك يا حسين) أو (من هم أهل السنة والجماعة؟ (!أو (المفهوم الصحيح لأهل السنة والجماعة وأثره في الوقاية من الغلو والتطرف).

وعوض الإنشقاق حول عقائد وضعية في إطار العلمانية الشرقية والغربية كما رأينا في القرن العشرين نراهم يتفرقون تحت لافتات من تاريخ المسلمين، فيتمّ تغطية الخلاف العلماني ـ العلماني بخلاف إسلامي ـ إسلامي.

فليس للجاهلية العلمانية أفضل من إذكاء الصراع بين المذاهب والطوائف التقليدية، فهي تستغل جوانب من أي دين استغلالا بشعا، وتركب الخلاف حول جوانب من الدين لفائدتها، وهو استغلال مدروس وممنهج، وليس مجرد استغلال لأغراض شخصية فردية.

يُخرجون أسوأ ما أفرزته مجتمعات تلك الأديان، إذ ينسبون الإنجازات الحضارية إلى العلمانية مع أنها أوقعت من الخراب والحروب ما لم يعرفه التاريخ، لكنهم يربطون ذلك بما يسميه العلمانيون بالحروب الدينية، لتعقب ذلك موجة إلحاد، ويفسدون في الأرض باسم السنّة وأهل البيت، ليعود الجميع إلى حضن العلمانية كحامية للجميع، حتى لا يبغي بعضهم على بعض، ويرضون بما قسمت لهم، فهل نسمح لهم بإعادة التاريخ إلى الوراء؟ إنهم لا يستطيعون ذلك إلا بقدر جهل الناس بالدين وأولوياته، وهذا هو التحدي الذي يجب علينا مواجهته.

اختلف الطرفان باسم السنة، لكنهما يتفقان في ضرب المناهضين للعلمانية، ويعتبرانهم خوارج من كلاب النار، وليسا من أهل السنة والجماعة.

وتختلف السلفية والصوفية والشيعة حول عقائدها، لكن العلمانية تركب هذا الخلاف، فنرى تلك الفرق توالي وتعادي حسبما تقرره العلمانية، والجميع يتزلف لها.

وإن كان الاستقرار من مصلحة العلمانية نسمعهم يحذرون من (إثارة النعرات وإذكاء العصبية بين الفرق الإسلامية).

لقد آمنوا بكل المذاهب التي شرعتها الجاهلية الغربية وأقاموا عليها دولهم، لكن جاء في البيان الختامي للمؤتمر الذي عقد في دولة الكويت ذات النظام الديمقراطي: (أهل السنة والجماعة هم المتبعون للكتاب والسنة، المنتمون إليهما، والمسلّمون لما فيهما، والمقدمون لهما على كل ما خالفهما، وهم المجتمعون على هذا الأصل القويم)، وبذلك أخرجوا أنفسهم من أهل السنة ومن أهل الإسلام هم وأولياء أمورهم الذين حرّموا على أنفسهم الخروج عليهم ولو بالمظاهرات، ولكن ليس للقوم قلوب يفقهون بها، إلا ألسنة فصيحة بالقرآن تلوك كلمات رنّانة وسجع رخيص لتنويم النائمين أصلا.

ويقال أن سلطنة عمان إباضية، والإباضية فرقة من فرق الخوارج، ويلهو علماؤهم بالردود والمناظرات والتكفير والتبديع على هذا الأساس فقط، ولو كان لهذه العقائد والمذاهب التقليدية تأثير في حياتهم ما كان للإباضي الذي يكفّر علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن يميل للشيعي الذي يعبد عليا من دون الله. 

ويقال أن الجزائر مالكية أشعرية تتبع مالكا في فقه الوضوء والصلاة، ولا تتبع عقيدته في الأسماء والصفات، بل تتبع الأشعري، ولا يهم إن كان أهلها قد سمعوا بالأشعري وعقيدته أو لم يسمعوا، وتتبع التيجاني في وثنيته دون عقيدة مالك والأشعري، وتكفر بالشريعة التي يتبعها ثلاثتهم في الحياة العامة، وتقدم عليها شريعة نابليون وأشباهه، فتوالي من والاها وتعادي من عاداها.

وكما أن هناك مليارا وسبعمائة مليون مسلم بعيدا عن تعريف الإسلام للمسلم، فإن خمسة وتسعين بالمائة منهم أشاعرة ونصف مليار منهم تيجانية رغم أنوفهم.

فالجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية على دين أختها جمهورية كوريا الشمالية الديمقراطية الشعبية لصاحبها كيم يونغ أون، والجمهورية ارتبطت بالعلمانية في مقابل الملكية المرتبطة بالكنيسة، والديمقراطية الشعبية هي مرادف للشيوعية، وهي غير مدرجة ضمن القائمة السوداء للفرق الضالة التي يتعين الإنكار عليها وهجرها، ولا يستغفلنا من يقر منهم بأن الشيوعية والديمقراطية كفر، فالكفر عندهم مجرد مصطلح فارغ من محتواه، لأن الولاء والبراء والأخوة والإنتماء والعداوة والبغضاء فتجري وفق مقياس السنة والبدعة، لذلك قد ينصرون ذاك الكفر بحجة وجوب السمع والطاعة للحاكم العلماني الذي لا يجوز تكفيره بألف مانع وألف شرط.

من يعرف اليوم الصفات التي تأولها الأشاعرة والماتريدية غير المختصين الذين يدرسون كلامياتهم القديمة؟ والناس إذا لم يلقَّنوا تلك الضلالات بقوا على فطرتهم في مسائل الأسماء والصفات عموما، كما لم يضل أبو جهل في كثير منها، ولم ينفعه ذلك.

إنه لا يعنينا كمسلمين الإنسياق خلف هذه المسائل، في قوم يختلفون على السنة والبدعة ويجتمعون على الشرك بالله، لذلك لا اعتبار اليوم لأي خلاف إلا بين مسلم ومشرك، وتلك هي معركة الإسلام الأولى اليوم لمن أراد.

أقوال مأثورة
أقوال مأثورة
أقوال مأثورة
أقوال مأثورة
أقوال مأثورة
أقوال مأثورة
أقوال مأثورة أقوال مأثورة أقوال مأثورة أقوال مأثورة أقوال مأثورة أقوال مأثورة