مواعظ إبليس

 

مواعظ إبليس

مواعظ إبليس

الكاتب: محمد سلامي

حمِد الشيخُ اللهَ –عز وجل- وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، وذكّر الناس أن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، ثم قال:

   أما بعد .. إنه قد نبتت نابتة من أفراخ الخوارج الحرورية، الذين يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، ويقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، من أتباع نافع بن الأزرق ونجدة بن عامر، يقولون بقولهم أن لا حكم إلا لله، ويكفّرون أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يألون في مؤمن إلاًّ ولا ذمة، يتبعون الظنيات، ويتركون القطعيات التي أجمع عليها العلماء، لم يدرسوا مقاصد الشريعة، ولم يتحلقوا في حلق العلم، ولم يتربوا على أيدي العلماء الربانيين…

   تلك عينة من الخطب العصماء التي يرددها على مسامعنا حماة الدولة العلمانية، ففي الوقت الذي ينبغي أن يقولوا: (قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ، لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ…) لا تسمع منهم إلا قول الله -تعالى-: (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ).

   ويضعون قول الله –تبارك وتعالى-: (وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) في محل قوله –عز وجل-: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ)، وكأن الجمع بينهما مستحيل، فإذا حل أحدهما ارتحل الآخر.

   ويأتون بأحكام فرعية مثل التزام الجماعة والشرائع التي لا تقام إلا بجماعة وإمام، وفضل مخالطة الناس، يحتجون بذلك على حب الوطن الذي تحكمه العلمانية والولاء لأنظمتهم، وكأننا ندعو الناس إلى التوحش والإنعزال والإنفراد بدعوتنا إياهم إلى اجتناب عبادة الطاغوت.

   إنهم إذا قالوا لنا: أنتم متقوقعون انعزاليون، نقول لهم: نحن على دين إبراهيم –عليه الصلاة والسلام- إذ قال لأبيه وقومه: (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيًّا، فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا، وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا).

   وإن قالوا لنا: أنتم تكفيريون نقول لهم: نحن نقتدي بإبراهيم الخليل –عليه الصلاة والسلام- إذ قال الله لنا عنه: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ)، فبمن اقتديتم؟!

   وإن قالوا لنا: أنتم خوارج، قلنا لهم: أخرجنا الله من ظلمات العلمانية والديمقراطية وظلمات الأضرحة والمشاهد إلى نور التوحيد الخالص، (اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ).

   لكن إذا غضب عليهم الأوربيون تذكروا قول الله –عز وجل-: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)، واستشهدوا بآيات التميز والبراء والجهاد، وإذا جاء عيد النصارى وكانوا راضين عنهم سكتوا عنهم ومالوا إليهم، وعادوا يتحدثون عن الأخوة والمحبة والتعايش، على أن للنصارى نبيهم ولنا نبينا، وكل من أطاع نبيه دخل الجنة، أو ِلندَع الحكم لعلاّم الغيوب.

وإذا حل وقت الإنتخاب على دستور الطاغوت أو الطواغيت المشرعين خلاف دين الله حثوا على التعاون وتكلموا عن سنة التغيير…وهكذا.

   ومنهم من اعتبر توافق عيد المسلمين مع عيدهم الوطني دليلا على إسلام أمتهم، ومنهم من اعتبر توافق عيد المسلمين مع عيد النصارى دليلا على الأخوة بين أهل الملتين، وأنهم على دين واحد، ومنهم من جعل انتشار إسم “محمد” دليلا على اتباع أمتهم لنبيها، وكأن “محمد نجيب الله” و”إسلام كريموف” على دين محمد عليه الصلاة والسلام، وكأن “بنيامين نتانياهو” و “يوحنا بولس” على دين موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام.

   ولكي تكون مسلما وسطيا غير متطرف عليك أن تكون ديمقراطيا أكثر من الديمقراطيين، وتخضع للدولة العلمانية، ولا تسيء إلى الأديان ولا إلى أهلها بتكفير أو تضليل، ولا تنشر الكراهية والتعصب على أساس الدين ولا تشتم مبادئهم ولا تسفّه أحلامهم.

   لأن الإسلام عندهم هو الأخوة والرحمة والمحبة فقط، كما هي النصرانية عند أهلها اليوم، والتي تلتقي مع الماسونية في أصلها.

   ولذلك راحوا يُنقبون في القرآن والسنة ويستلّون نصوصا مختارة بعناية تحث على هذه الأخوة الوهمية، وينشغلون بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، وهم معرضون عن حكمه، (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا).

   إن الإسلام قبل أن يكون أخلاقا هو عقيدة تجمع الناس حولها، وتفرقهم إن اختلفوا فيها، إن الله -عز وجل- لما قال: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) قال أيضا: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ).

   ليس من الإسلام أن نقول للناس: أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام، وهم لا يدينون حقا بدين الإسلام، حتى راح المناضل في سبيل الديمقراطية يدعو الله أن يعينه ويردد أذكار الصباح والمساء.

   إن الرحمة في تحقيق التوحيد، لا الرحمة والأخوة خارج إطاره، حيث يجتمع الناس على نظم أخرى معرضين عن نظام الله الذي أراد الله له الظهور في الأرض، ومع ذلك يُؤمرون بالتراحم والإخاء والمحبة والمساواة لتتحقق لهم سعادة الدنيا والآخرة! ألا لعنة الله على دين كهذا.

أرسل تعليقا لصاحب المنشور (لا ينشر على الموقع)