حكم الإسلام لا حكمَ الإعدام

حكم الإسلام لا حكمَ الإعدام
حكم الإسلام لا حكمَ الإعدام

محمد سلامي

نشر في: 10ـ10ـ2016

حدّدت المنظمات الدولية يوما عالميا لإلغاء إعدام الجناة، ومعه تعلو أصوات الذين غسلت الماسونية أدمغتهم منادية بأن عقوبة الإعدام حكم وحشي يمس بكرامة الإنسان (المجرم)، ولا يناسب العصر، عصر السلام والأمن والأمان الذي تنعم فيه البشرية!

ويكافح آخرون ضد إلغاء حكم الإعدام من منظومتهم القانونية، معتبرين ذلك إلغاءً لآية من القرآن، وينسبون دعاة الإلغاء إلى الردة عن الدين الذي لم يتبعوه يوما، كأن الإسلام لم يُنقض منه إلا حكم الإعدام.

ويدعو البعض إلى استفتاء الشعب حول الإلغاء أو الإبقاء، مع احترام كل الآراء، فكلها قابل للنقاش ولو كان الأمر متعلقا بشرع الله سبحانه.

وفي النهاية تستجيب الدولة متى رأت الوقت مناسبا لدعوات الأمم المتحدة والإتفاقيات الدولية، وتتجاوز ما تسميه صراحة بالعقبات الدينية، عن طريق الإلغاء التدريجي، كوقف التنفيذ أو تقليص أنواع الجرائم التي توجب الإعدام لإسكات الجميع.

ولأن (ولي الأمر) وحاشيته ضمنوا عدم التكفير فإنهم يتبجّحون بكفرهم ويحاربون ما بقي من قوانين مقتبسة من دين الله أو مشابهة لها، ولم نسمع حسًّا لمن يرون أن دين العلمانية كفر دون كفر، وقد كانوا يقولون أن من اعتبر حدا من الحدود قاسيا وتجاوزه الزمن فهو كافر، لكن تبيّن أنهم لا يؤمنون حتى بعقيدة الإرجاء المغالي، بل قالوا: لا ننزع يدا من طاعة، ونلزم الجماعة جماعة العلمانيين، ونقاتل من بين يديها ومن خلفِها كلَّ خارجيّ مارق من كلاب النار.

ووقفوا خلف ولي الأمر العلماني في حربه على كل محاولة للتقدم نحو الإسلام، ثم هم اليوم يجنون ثمار نصرتهم للكفر، فبعدما لعبت العلمانية بأبنائهم وبناتهم تفطن البعض منهم متأخرين إلى أن العلمانيين يريدون إلغاء آية، بعد أن ألغيَ الإسلام عقيدة قبل الشريعة، وصار حالهم أشبه بمن يعترف بالمحتل الأجنبي ثم يطالبه بحق السكن والتعليم والصحة وغيرها من الخدمات.

ليست مهمتنا إقناع من لا يؤمن بهذا الحكم بجدواه، فليس الذي ينقصهم هو الإقتناع بالفوائد الاجتماعية أو الصحية لشرع الله وحكمته، ولكنهم يؤمنون بالله كخالق فقط، ويؤمنون بالغرب كمصدر للتشريع، كلما تبرّز الغرب ـ أكرمكم الله ـ وجدنا بيننا من يلعق برازه ويتقيّؤه مقتنعا بأنه تقدّمَ وتحضّر أكثر منا، فعندما كانت قوانين الدول الغربية تتضمن عقوبة الإعدام اتبعوها، ولما توجّه الغرب نحو إلغاء حكم الإعدام اتبعوه.

فلم نتفق على المشرّع حتى نتفق على العقوبة، وأحيانا لا نتفق على الجريمة فكيف نتفق على العقوبة؟ وقوانينهم تقول أن لا جريمة ولا عقوبة إلا بقانون من مشرّعيهم الذين يسعون الآن لاعتبار العقوبة جريمة.

فعلى سبيل المثال يقول الله عز وجل: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (المائدة: 33)، وإذا كانت الحرب بأنواعها على الإسلام جريمة في دين الله فهي واجب وطني في دينهم.

وإذا كان الله تعالى يقول: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ) (البقرة: 193) فهذه جريمة في قانون العقوبات العلماني، ومن يدافع عن حكم الإعدام هو يحكم بالإعدام على من يقترب من هذه الآية.

ومن الأفعال التي نختلف في تجريمها قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلاَثٍ: النَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالمَارِقُ مِنَ الدِّينِ التَّارِكُ لِلْجَمَاعَةِ) (رواه البخاري ومسلم)، فدفاعهم عن المجرمين هو دفاع عن أنفسهم في الحقيقة.

إن الإعدام عند المسلمين عقوبة شرعية وهو عند المشركين عقوبة وضعية، وتغييره ليس تغييرا لشرع الله، ولا نتتبع تشريعات الجاهلية مادة بعد مادة، فالمطلوب هو تغيير مصدر التشريع كله، أي تغيير الدين، لا تعديل مواد من قانون العقوبات.

عن عدي بن حاتم رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ : (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّه) قال : فقلت له : إنا لسنا نعبدهم، قال : أليس يحرّمون ما أحلّ الله فتحرّمونه ويحلّون ما حرّم الله فتحلّونه ؟ فقلت : بلى، قال : (فتلك عبادتهم) (رواه ابن جرير وابن أبي حاتم والترمذي).

ولا ندافع عن إبقاء هذا الحكم ضمن تشريعاتهم لأنه لا حق لبشر في الإبقاء ولا الإلغاء، ولا فرق في الكفر بين الذين يدعون للإلغاء ومن قالوا نخضع لحكم الشعب المطالب بالإعدام، إذ جعلوا الشعب متحكما في شرع الله ومهيمنا عليه، كما لا ينفع الأمريكيين والصينيين حكمهم بالإعدام، لأنه قانون وضعي وليس من حكم الله.

فلم يعطلوا الحدود بل عطلوا (لا إله إلا الله)، واستبدلوا بها عقائد الماسون التي نشروها بين الشعب، هذا هو محل الكفر الذي يتفرع عنه تغيير الشرائع التفصيلية، وهو كفر إضافي، كقول الله تعالى: (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) (التوبة: 37).

ومع ذلك لم يُنكر عليهم ذلك الفعل فقط، أو يدخل معهم في صراع لتعديله، ولم يأمرهم بالتزام ذلك الحكم ولكن هذا الأمر موجّه للمسلمين الذين آمنوا بالله وكفروا بالطاغوت، فقال: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً) (التوبة: 36).

  والقصاص غير مُجدٍ من الناحية الواقعية ولا يحدّ من انتشار الجريمة في مجتمع علماني، كما لم يغير الوضع عند العرب قبل الإسلام، لأن الدين نفسه يدعو إلى الإجرام، ولذلك قالوا أن الإعدام أثبت فشله في ردع المجرمين، ونسوا أن المشكل لا يتعلق بعدم فاعلية الإعدام، بل يتعلق بالبيئة الحاضنة للمجرمين التي صنعتها المبادىء الجاهلية المشجعة على الإجرام.

إن القانون الجنائي وغيره من القوانين هي انعكاس للعقيدة وفرع من الأصل، ونتيجة لحركة المجتمع بتلك العقيدة، فلا ينفع تطبيق الحدود الشرعية مع إعلام وتعليم يدعو إلى الإجرام بكل فنونه التي تظهر كل يوم في شكل جديد ولون مبتكر لم نكن نسمع به من قبل، ويروّج للشهوات السبُعية والبهيمية والفرعونية والإبليسية طبقا للعقيدة الليبرالية الهدّامة.

وكلما فشا الإجرام والفجور تساهلوا في العقوبة، حتى لا تشمل العقوبة شرائح واسعة من المجتمع، مثلما فعلوا مع المخدرات والشذوذ وغير ذلك مما يتدرّجون يوما بعد يوم في إباحته بعد أن يتغلب ويصبح ظاهرة واسعة الإنتشار.

لكل ذلك فالإعدام ليس بحل أبدا، بل الإسلام هو الحل، الإسلام كله عقيدةً وأخلاقا وشريعةً فردية وجماعية.. (فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (الأنبياء: 108).

أقوال مأثورة
أقوال مأثورة
أقوال مأثورة
أقوال مأثورة
أقوال مأثورة
أقوال مأثورة
أقوال مأثورة أقوال مأثورة أقوال مأثورة أقوال مأثورة أقوال مأثورة أقوال مأثورة