الفرق الضالة بين الأمس واليوم

الفرق الضالة بين الأمس واليوم

الفرق الضالة بين الأمس واليوم

الكاتب: محمد سلامي 

 إن العقائد المندثرة لا يحتاج الناس إلى حجج على بطلانها، لأنهم لا يؤمنون بها أصلا، بما أنهم لا يعايشونها وربما لم يسمعوا بها، بخلاف تلك التي هي واقع يؤثر فيهم، ولقد كان علماء السلف يكرهون الرد علانية على الضلالات المستجدة التي يبتدعها أهل الأهواء بين الفينة والأخرى، حتى لا يساهموا في نشرها بين القاصي والداني، مثلما لم يكونوا ينشرون خطايا الحكام بين الناس كما يفعل الديمقراطيون، بل ينصحونهم في خلوتهم، وهذا من فقههم.

   لكن القوم اليوم يُحيون الكثير من الضلالات التي خمدت بالرد عليها، فما معنى أن يُنشر اليوم كتاب في الرد على القائلين بخلق القرآن تحت شعار “نشر السنة”؟! فأنا شخصيا لم أسمع لحد الآن أحدًا يقول بخلق القرآن ويدعو إلى ذلك.

   إن كتب السلف الصالح التي أنكروا فيها بدع زمانهم ليست قرآنا يتلى إلى آخر الزمان، وإنما نعود إليها إذا ظهر الخلاف بين المسلمين بحق حول تلك القضايا التي ناقشتها تلك الكتب.

   ولا يصح معاملة المسلم الضال في الفروع الآن كمعاملة المسلمين الضلاّل في زمن السلف الصالح من هجر وعقاب، لأنه يعيش وسط الجاهلية، لا وسط الأمة المسلمة، وإنما ينبغي الرأفة به وتعليمه وتحصينه بالعلم الشرعي.

   وعدم خوضنا في نزاعات المسلمين في القرون الأولى لا يعني بالضرورة التلقي عن كتب الضلاّل المتأخرين، بل أهل الحق الذين اهتموا بمشاغلنا وواقعنا الذي يخصنا، ولا يعني بالضرورة ردم تلك العلوم التي نشرها السلف، بل عدم إثارة المعارك القديمة، لأن الكثير منها لم يعد قائما في الواقع.

   ولا نص من الكتاب والسنة على أن فرق الأمة الضالة تبقى ثابتة إلى يوم القيامة، ولا نص على ذلك التقسيم والفرز الذي أورده بعض مؤرخي الفرق اجتهادًا، حتى بلغوا بها ثلاثا وسبعين فرقة كما ورد في الحديث، وإنما نصدق بالتفرق لوجود النص، وقد رأيناها واقعا، ونبرأ إلى الله من أهواء المبتدعة قديمها وجديدها.

   ولا نقول كما قال من لا دين لهم اليوم أنه ما دامت نتيجة المواجهات بين الفرق قديما لم تؤد إلى نتائج حاسمة لأي طرف فيجب القبول بالتنوع والإختلاف والتسامح مع الآخر، ثم قالوا: المهم هو الدعوة إلى الإسلام ولا حرج في اتباع أي طائفة، فالمهم عندهم هو إسم الإسلام لا حقيقته.

   أما الضلالات الباقية الموروثة عن تلك الفرق القديمة، فننكر عليهم ما يخالف التوحيد منها، وهي الأخطر، فنرد عليها، وهي موانع الإسلام ونواقضه.

   لقد كانت دعوة النبي -عليه الصلاة والسلام- في أول الأمر منحصرة في إنكار الكفر، فقد بدأ من الصفر، ثم وصل إلى الشرائع، ثم إن المسلمين نسوا الكثير من الشرائع لطول الأمد، إلى أن نسوا التوحيد، وبما أنهم ظلوا يعتقدون أنهم مسلمون فقد تشبثوا ببعض المظاهر وراحوا يبحثون عن الشرائع غافلين عن التوحيد المنسي.

   إن الإهتمام بالحديث ورجاله ليس علامة على الإسلام اليوم، بخلاف ما كان عليه السلف، فإن ممن يتحرّون السنة في أقوالهم وأفعالهم اليوم من لا يرون حرجا في الإحتكام إلى الطاغوت، وينكرون على من يلبس ربطة عنق لأنها تشبّه بالغربيين، ولا ينكرون عليه اتباع عقائد وشرائع الغرب.

   فلو عاد ابن عباس لآمن بكفرهم، ولو عاد أي أعرابي بوّال على عقبيه لكفّرهم، ولو عاد حرقوص بن زهير الخارجي أو عمرو بن عبيد المعتزلي أو الجعد بن درهم الجهمي أو غيلان القدري أو غيرهم لاعتقدوا في كفر هذه الأمة، التي لم تخالف عقيدة أهل السنة والجماعة فحسب، وإنما خالفت دين المسلمين كلهم.

   قبل فترة سمعنا الزرقاوي يقول: على السنة في العراق أن ينبذوا المصالحة مع الشيعة الكفرة، وإذا ما نظرنا بمنظار الإسلام نقول أنه لا “السنة” على سنة محمد عليه الصلاة والسلام، ولا “الشيعة” من شيعة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وسيبرآن ممن انتسب إليهما من هؤلاء وأولئك، كما يبرأ المسيح -عليه الصلاة والسلام- من النصارى.

   قال الله -عز وجل-: (مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللّهِ وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 79/80].

   ومن المعلوم بالإضطرار من دين التوحيد أن دعاء المسيح ودعاء الحسين ودعاء عبد القادر الجيلاني من دون الله أو مع الله -سبحانه- وكذا اتباع شرائع الطاغوت مع شرع الله أو دونه، كلها كفريات مانعة من الإسلام وموجبة للدخول في الإسلام، وأهلها سواء في كفرهم، وإن باتوا وظلوا وأمسوا وأصبحوا يرددون: “لا إله إلا الله”.

أرسل تعليقا لصاحب المنشور (لا ينشر على الموقع)