الثابت والمتغير بين الإسلام والعلمانية

 الثابت والمتغير بين الإسلام والعلمانية

الكاتب: محمد سلامي

16-05-2008

 يروّج العلمانيون النسبيون إلى أن الإسلام ليس حقيقة مطلقة، وأن تعريضه للنقد المبني على الشك هو الطريقة المثلى لاستمراره، بما أن الإسلام في نظرهم كغيره من المذاهب هو فكرة بشرية اجتهادية، يتعرض للمراجعة والتصحيح، ويفسر حسب مقتضيات العصر والواقع المعاش، ويتغير بتغير الزمان والمكان، وليس مبادئ ثابتة على مر العصور، تفسر على أساسها ظواهر الحياة، وميزانا عادلا تقاس حسبه تصرفات البشر، لأن هذا يؤدي -بزعمهم- إلى تكبيل الإنسان بقيود التقليد، وتعطيل التفكير وسجنه.

   إن العلمانيين يُخضعون كل مجالات الحياة للتجارب، بما فيها الإعتقادية والأخلاقية، ليصلوا في النهاية إلى ماقرره دين الله، ولا يصلون إليها إلا بعد خسائر فادحة، وزمان ينتقص من عمر البشرية، وجعلوا من البديهيات مشكلات، مثلما فعلت الفلسفة اليونانية، كعقائد السوفسطائية ومُثل أفلاطون وكليات أرسطو.

   بينما المسلمون ينطلقون مما قرره الله كبديهيات مسلّم بها، لا يضيعون وقتهم في البحث عن دلائل صحتها من خطئها، لأنها لا تستحق النقاش، فهي تتفق مع الفطرة والعقل، وهي معطيات وليست مشكلات كما يظن العلمانيون.

   ولذلك نهض المسلمون بسرعة أدهشت المؤرخين الغربيين، وذلك لأن المسلمين فرقوا بكل سهولة بين الثابت والمتغير، لم يغيّروا الثابت كما فعل العلمانيون النسبيون، ولم يجمدوا على المتغير ويوقفوا عجلة الزمن كما فعلت هذه الأمة في القرون المتأخرة.

   فالمتغير الذي هو أوسع مساحة في حياتنا مفتوح على الإجتهاد والنقد والأخذ والرد في إطار قوانين الدين الثابتة، التي لم يستطع العقل البشري تعويضها بما هو أفضل منها، وكلما حاول اندحر بالبشرية إلى الحضيض، لظنه بأن الدين يمكن تشكيله كالمادة.

   ومن يشكك في هذا عليه -أولا- أن يجد أي ثغرة في هذا الدين، ويقيم البرهان على أن الإسلام لا يجيب عن تساؤلات هذا العصر أو غيره، فالإسلام يستمع لرد المخالف والحائر، لكن لا يقبله -وهو على حاله تلك- كواحد من أتباعه، والقرآن كله حوار، أما محاولة ترسيخ المبادئ عن طريق التكرار والتكرار فقط، مع ربطها بالشهوات في ومضات إشهارية، فهذا لم تعرفه البشرية إلا في عصر هذه المبادئ النسبية المفلسة من الحجج.

   بوسع الغربيين أن يطرحوا كل مجالات الحياة كمشكلات، لأنهم لم يجدوا ما يشفي غليلهم في النصرانية أو غيرها، لكن من يدعي الإسلام وهو لا يستقي من الإسلام حقائقه فهو أشبه بمن طلبوا العدس والبصل وعندهم المن والسلوى.

   جاء في الأخبار-مثلا- أن أكثر من أربعين مليار دولار لمكافحة المخدرات في بريطانيا وحدها، ثم خرجت تقارير شرطتها تؤكد الفشل الذريع في القضاء عليها، بل ذهب ضباطها يدعون لإباحة بعض أصنافها قانونيا، وفي هذه البلاد لا زالوا يفتخرون بجيوش الشرطة التي يسخرونها لمحاربة المخدرات.

   وفي أمريكا تقول التقارير أن ستة ملايين امرأة قررت التوقف عن العمل خارج البيت بعد الإنجاب للتكفل بتربية الطفل استجابة لنداء الفطرة، بعد أن أدركت المرأة هناك متأخرة أن حقها في السعادة لا تكفله حرية التفسخ والإنحلال، وأن أدعياء الحرية أرادوها ألعوبة ووسيلة لإفساد المجتمعات لا لإصلاحها، وأدركت أن مقر عملها ليس في مصانع السيارات وإنما في مصانع الإنسانية، بينما في الجزائر حيث التجربة في أوج عنفوانها فتقول إحصائيات العلمانيين أن ستة ملايين امرأة ماكثة في البيت أي عاطلة عن العمل في عقولهم الصغيرة.

   كان على العلمانيين العرب أخذ العبرة من تجارب أساتذتهم الغربيين، والعاقل من اتعظ بغيره، ومن لم يتعظ بما أصاب غيره أوشك أن يصيبه ما أصاب غيره.

إن طموح البشرية إلى السعادة لا يتحقق إلا باتخاذ قواعد ثابتة وموازين مستقيمة توزن بها الأشياء، وإلا أصبحت الحياة فوضى وخرابا وجنونا لا نهاية له، أما العقيدة النسبية فهي كميزان وضع على ظهر سفينة تتقاذفها الأمواج.

   من قبل قالوا لنا أن الدين ثابت والسياسة متغيرة، وربط الثابت بالمتغير جناية عليهما، وبعد أن مرروا هذه العقيدة التي دمرت الحياة بتحريرها من الدين عادوا وقالوا: لا، الكل متغير، لا حق ولا باطل، لا صحيح ولا خاطئ، وإنما لكل زمان مقياسه ومعياره، في طبعة جديدة لعقيدة السوفسطائية التي يخجل من ذكرها عقلاء الإغريق.

   وقالوا: ها هي العلمانية تنقد نفسها وتطور نفسها، والواقع أن العلمانية -التي لا تقبل المعارضة وإنما فرضت بالحديد والنار- لم يتغير أصلها وإنما زادوا عليه ووسعوا مجالاته، ابتداء من عزل الدين عن التحكم في الدولة إلى عزله عن التحكم في حياة الفرد، وكل ما يتنازل عنه الثعبان هو جلده فقط، كما أن أصل الديمقراطية لا زال كما شرعه اليونان، لكن الإسلام هو المستهدف.

 الثابت والمتغير بين الإسلام والعلمانية

أرسل تعليقا لصاحب المنشور (لا ينشر على الموقع)