هم على دين “المتغلّب”
محمد سلامي
نشر في: 23ـ7ـ2016
انتشرت العام الماضي صورة لتغريدة منسوبة للضابط اليهودي المستعرب أفيخاي أدرعي جاء فيها:
وسواء صح ما نقلوا عنه أو كانت الصورة مزورة كما قيل أيضا، فربما كانت مزحة ثقيلة لبعض المشاغبين أو لنية لا نعلمها، لكنها في كل الأحوال تعبّر بصدق عما آل إليه معنى دين الله عند الناس الذين يتسمّون بالمسلمين سواء عامتهم وعلماؤهم، وليس فيها أي تحامل أو تزييف للواقع، بل إن الواقع أسوأ مما ذكر كما سنرى.
أولا: الذين يتحدثون عن طاعة الحاكم المتغلب لا يوالون الحاكم المتغلب فقط درءا للفتنة، ولكنهم يخصّون بالولاء أشد الحكام علمانية، كهدف مقصود وشرط محدد مسبقا لصحة بيعته، فيجب أن يكون الحاكم المتغلب أشد الناس كفرا وأبعد الأطراف المتصارعة عن عقيدة الإسلام وشريعته وأخلاقه.
صفة التغلب والقهر التي بنيت عليها الفتوى مرت بمراحل:
1ـ كانت استثناء لحقن الدماء.
2ـ ثم أصبحت أصلا في حياة المسلمين.
3ـ ثم اتُّخِذت الآن مدخلا لطاعة الحاكم الكافر.
4ـ ثم تمت إزاحتها جانبا للإبقاء على صفة الغلو في الكفر كشرط وحيد للطاعة والولاية حتى ولو لم يكن صاحبها متغلبا، أي أنه خارج على الحاكم المتغلب.
وصفة (الخوارج) أصبحت مرادفا لكلمة (الإرهاب) وفق التعريف المحلي والعالمي، والتي لا تطلق إلا على من تُشتمّ منه رائحة الإسلام ولو كان الإسلام عنده منحصرا في الأخلاق أو شيء من الشريعة، وهذا هو الخارجي عند فقهاء العلمانية.
ثانيا: المشكلة ليست متعلقة بمسألة صحة ولاية المتغلب التي تحدّث عنها الفقهاء، ولكن الأمر أسوأ من ذلك بكثير، بل هي متعلقة بمعنى الإسلام الذي سيعلنه نتنياهو مثلا، فبمجرد تخليه كشخص عن ديانته اليهودية وصلاته في المسجد الأقصى يصبح ولي أمر مسلم في عُرفهم، وإن بقي رئيسا لدولة علمانية ككل الدول العربية.
ثالثا: بل الأمر أخطر من ذلك كله، فالقوم يسمعون ويطيعون لمن لم يعلن الإسلام أصلا في أوربا وأمريكا، ويتولّونه دون حرج، بل يقاتلون معه، لأن الولاء للوطن والحزب والدولة.
قال اللفتنانت كوماندر بالبحرية الأميركية جيفري غوردون المتحدث باسم البنتاغون لـ «الشرق الأوسط»: (نحن في الولايات المتحدة نؤمن بحرية الأديان، وفي الجيش الأميركي هناك وعاظ مسلمون وجنود مسلمون يحاربون في الخطوط الأمامية بالعراق وأفغانستان).
وبعث الرقيب الفنيّ المتقاعد محمود اليوسف وهو فلسطيني المولد في رسالة إلى وكالات الأنباء الأمريكية يقول فيها للأمريكيين: (إنني أمريكيّ مسلم، ومثلي مثل أيّ شخص آخر، لا أتفق مع سياسات حكومتنا، لكني لا أتسرع في حُكْمِي، لما علمتُ بأحداث 11 سبتمبر المروعة أعددتُ حقيبتي، وكنتُ أنتظر أمر استدعائي لألبِّيَ نداء الواجب، لماذا فعلتُ ذلك؟! إني أريد أن تكون أمريكا آمنة، وأن تكون هي الأفضل دائمًا، وحينما يكون الأمر أمر ولاء، فأنا أحمر وأبيض وأزرق ـ إشارةً إلى العَلم الأمريكيّ ـ مثلكم تمامًا).
كل ذي دين يدين بالولاء للنظام الذي يؤمن به والدولة التي تطبقه دون غيرها، وإلا فإن دينه ذاك يبرأ منه، فهو يقاتل ويناضل ويدافع عنه، الشيوعي مع شيوعيته، والديمقراطي مع ديمقراطيته، واليهودي مع يهوديته، والنازي مع نازيته…
الوحيد من بين سائر الناس هو هذا المسخ الذي يسمّى بالمسلم والذي يدين بالولاء لدول لا تدين بالدين الذي ينتسب إليه، بل يقاتل في سبيلها ضده، ثم يعتبر نفسه مجاهدا وشهيدا في سبيل الله!
وهذا الذي جعل كل الأديان تجد لها موقعا بين هذه الأمة بل تسود وتكون لها الكلمة العليا، ثم يقال: المسلمون متخلفون، ولا يقال: الديمقراطيون أو الشيوعيون …، فالتخلف والهوان يُربط بالإسلام أما الحلّ فيُبحث عنه في غيره.