ديمقراطية الغوغاء وخراب أوربا

ديمقراطية الغوغاء وخراب أوربا
ديمقراطية الغوغاء وخراب أوربا

محمد سلامي

نشر في:  5ـ7ـ2016

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سيأتي على الناس سنوات خداعات يُصدَّق فيها الكاذب ويُكذب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويُخوّن فيها الأمين وينطق فيها الرويبضة. قيل: وما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة) (رواه أحمد وابن ماجة والحاكم).

هذا الحديث ينزل مباشرة على حال المجتمعات اليوم، في الجانب المتعلق بسيطرة الإعلام الفاسد على عقول الناس، وتأثيره في صناعة الرأي العام، وقلبه الحقائق رأسا على عقب.

وأيضا في الجانب المتعلق بطغيان الدهماء واستبداد الغوغاء بالحكم، فالرجل التافه في الدولة الديمقراطية لا يتكلم فحسب، بل بات يشارك في تسييرها وفي صياغة قرارات مصيرية.

قال البريطاني برنارد شو: (من عيوب الديمقراطية أنها تجبرك على الاستماع إلى صوت الحمقى)، لكن الحمقى لم يعودوا يتكلمون في شؤون الدولة فقط، بل يشاركون في الحكم، وصوتهم مساوٍ لصوت الحكماء.

الاتحاد الأوربي.. هذا الكيان الذي كان مثار انبهار الشعوب هل سينهار من الداخل دون حرب، وبريطانيا ذات المؤسسات العريقة أثبت شعبها أنه أبعد ما يكون عن الوعي السياسي.

لقد صار أمر العامة وبناء الدولة رهينا لشهوات رجل الشارع الذي لا علاقة له بالسياسة إلا في وقت الإنتخابات ما بالك بالإقتصاد المعقد.

ـ ارتفاع الأصوات اليمينية المطالبة باستفتاءات مماثلة في أوربا.

ـ توجه نحو تفكيك المملكة المتحدة.

ـ تراجع تاريخي للعملة، فقد خسرت بريطانيا في ست ساعات ما دفعته لأوربا خلال 15 سنة، وهو سبب التصويت بالخروج من الإتحاد الأوربي، إضافة إلى التخويف من

المهاجرين وأكذوبة انضمام تركيا.

ـ الملايين يطالبون باستفتاء جديد، حتى الساسة الذين دعوا للخروج ذهلوا لهول الصدمة التي لم يكونوا يتوقعونها.

ـ بلدة كانت تتلقى مساعدات أوربية تصوت بالغالبية لصالح الخروج وتطالب بتلك المساعدات.

هذه الشعوب التي يتغلب فيها الغوغاء هي التي يقال عنها أن إرادتها من إرادة الله، وهو افتراء على الله وتأليه للرويبضة.

لا شيء يجعلهم يتعاونون ويؤثرون على أنفسهم، فقد جمعتهم بطونهم وفرّقتهم بطونهم، بعد أن عبثت بهم العلمانية، وجعلت منهم جماهير شهوانية يمكن لأي مغامر انتهازي أو مغنٍّ قذر أو لاعب سفيه أو رسام ساخر أن يميل بها حيث يريد.

ومن يتابع دعاياتهم الإنتخابية يرى مدى الإسفاف والسطحية المبتذلة في الخطاب، فالغوغائية المفرطة ولعبة العواطف والشهوات هي سيدة الموقف.

لقد تمكن الطغاة من التلاعب بعقول الشعب وصار لعبة في يدهم، فالناس ينتخبون صاحب اللسان الفصيح والطلعة البهية، ويستجيبون للتخويف من الأوهام، وكلهم يدرك أن السياسيين يكذبون ويتحرّون الكذب لكنهم صاروا كالشياه في يوم الأضاحي.

لقد أفرغت الديمقراطية من محتواها وصار حكم الشعب بلا معنى ماداموا يستطيعون قيادته من أذنيه إلى حتفه، وأفرغت الحرية من معناها وحُصرت في التعري والصراخ الفارغ، وإلا لماذا لا توجد حرية في الجيش؟ ولماذا لا يستشيرون الشعب في الحرب؟

وإن قلت لهم أن الحكم لأهل الخبرة تجد المستبدين هم أول من يقف ضدك، حتى يبدو أنهم يحترمون رأي الشعب، والواقع أنهم استطاعوا التكيف مع الآليات الديمقراطية وتحويلها لصالحهم.

وهذا مثل نشر الخلاعة بحجة أن المشاهدين يريدون ذلك، وعلينا أن نحترم أذواقهم وحريتهم، وأن الغناء والتمثيل يجب أن يكون انعكاسا للمجتمع يناقش قضاياه.

وهذا منطق مخادع، ويظهر ذلك عندما يفرضون العهر ولا يحترمون أذواق من يعارض ذلك، فيربّون شعبا يقبل ذلك الذوق، ثم يستدلون به وهم صانعوه أول مرة، ويمدونه بالمزيد كل يوم.

فبالديمقراطية وصل هتلر إلى الحكم، وصار وبالا على من انتخبوه وعلى العالم، وبها سيصل اليمين المتطرف إلى الحكم، وهو يسير بأوربا والعالم نحو حروب قومية، لأن التكتل العابر للقوميات لم يصمد أمام التخويف المسلط على عقول الناس مما يضطرهم للتقوقع والسير خلف الطغاة.

فهل يعي قومنا هذه الدروس ويعتبرون بحال أهل الديمقراطية الذين شاع بينهم أن الديمقراطية نظام سيء لكنه الأقل سوءا من بين كل الأنظمة؟

وهل نطمع أن يرى الديمقراطيون عند قومنا نظاما آخر يزعمون أنهم آمنوا به؟

أم أن كل آمالهم هي أن يدخلوا في نفس الجحر؟

وقد جرّبوا فهل من مدّكر؟

أقوال مأثورة
أقوال مأثورة
أقوال مأثورة
أقوال مأثورة
أقوال مأثورة
أقوال مأثورة
أقوال مأثورة أقوال مأثورة أقوال مأثورة أقوال مأثورة أقوال مأثورة أقوال مأثورة