الصراع بين العسكري والديمقراطي
محمد سلامي
نشر في: 16ـ8ـ2016
تنفس المعذَّبون في الأرض الصعَداء إثر كسر الإنقلاب العسكري في تركيا، ولهجوا بالدعاء لأردوغان، ولسان حالهم يردد بيت شوقي قبل قرن من الآن:
الله أكبرُ كم في الفتح من عَجبِ يا خالد الترك جدّد خالدَ العربِ
لا شك أن الانقلابات في تركيا أو غيرها تصب في صالح الأوربيين لأنها بتدبير منهم، لكن فشلها لا يضرهم، فأردوغان أو غريمه غولن كلاهما يتحرك داخل الحلبة الغربية، فالعلمانية هي المنتصر الوحيد في الحالتين، لأنه صراع بين علمانيتين.
وليس أردوغان سوى تجديد لصورة أتاتورك المهترئة التي لم يعد لها ما تقدمه بعد أقرب من قرن من الحكم العسكري الذي تيقن الجميع بمن فيهم غلاة العلمانية أنه ليس عائقا فقط ولكنه الخراب بعينه.
وليس بالضرورة أن يكون أتاتورك وأردوغان وغيرهما عملاء للغرب، ولكنهم يتحركون في إطار الديانة العلمانية التي تربوا عليها، وليتهم كانوا خونة اخترقوا الأمة على غفلة منها، ولكن الغرب لم يعد بحاجة إلى عملاء بالمعنى التقليدي، لأنه يربي الأمة حكاما ومحكومين على يديه فتسير وفق ما تشرّبت من عقائد.
لو أشبعت العلمانية الشعوب لتمسكت بها أكثر، لكن الفشل يربطونه بالعسكر فقط مما يجعلهم يبحثون عن الديمقراطية، لأنهم لا يعرفون إلا حكم الشعب أو حكم الفرد، كأنه لا يوجد إلا الحكم العسكري أو الديمقراطي فقط، أما حكم الله فيعاديه الجميع عسكريهم وديمقراطيهم.
إن الحركات الديمقراطية التي تقف في وجه الإستبداد تقف نفس موقف الحركات اليسارية المناصرة لحقوق الشعوب المضطهدة من طرف الامبريالية في القرن الماضي، ثم أصبحت وبالا على الشعوب لما وصلت إلى الحكم وكان أول ضحاياها هو الإسلام، ويقف الديمقراطيون اليوم نفس الموقف، وسيفعلون كما فعل سابقوهم إذا حكموا، لا خداعا للناس، ولكن أي نظام حياة لا يقبل منافسا.
وما تقوم به تركيا وقطر من حماية أو رعاية للثورات الديمقراطية والتيار الذي سموه بالإسلامي الديمقراطي يمثل الخطة “ب” من مشروع الهيمنة الغربية، فالغرب يعلم أن القبضة الحديدية للأنظمة العسكرية التي يسيطر بها على الشعوب لن تستمر إلى الأبد، وكلما ازدادت سطوتها وقسوتها كلما كان سقوطها مدويا، ولا بد قبل هذا السقوط من أن يكون البديل حاضرا حتى لا يخرج الأمر عن السيطرة.
وقد وجد أن الإخوان ومن يسير في فلكهم ينسجمون تماما مع مبادىء العلمانية بل الماسونية، ويملكون قابلية كبيرة للتحلل من أحكام الشريعة الإسلامية فضلا عن العقيدة.
إن نهج أردوغان يقدَّم كمثال ناجح يقتدى به، فهو يسعى للتنمية والازدهار لا لتغيير الطابع العلماني للجمهورية الكمالية، وقد أفسح له قادة العالم المجال للبروز رغم أنف حلفائهم العسكر وكيدهم الدائم، وهو صورة من الخميني قبل أربعة عقود، لما سمحوا له بالإنقلاب على صديقهم الشاه، وظهر من بعد أن الخميني قد حظي بدعم كبير منهم، ونظامه الآن يخدمهم أكثر من غيره، والمظهر المعادي للغرب الذي كان عليه أشد مما نرى بين أردوغان والغرب الآن.
وقبلهما نتذكر جمال عبد الناصر الذي انقلب على الملك فاروق صديق الإنجليز والجيش الانجليزي في مصر لم يحرك ساكنا، ورفع عبد الناصر لواء معاداة الإمبريالية الغربية ودعم الحركات اليسارية لتتسلم الحكم بعد الإنسحاب التكتيكي للمحتلّين، فكان مجرد تغيير للحصان لما تعب، سميناه نحن تحريرا واستقلالا، إذ قام الجميع بعدها بمهمة تغريب المجتمعات والحرب على الإسلام خير قيام وإلى يومنا هذا.
وقبلهم جميعا كان أتاتورك قد تعلقت به آمال الشعوب التي كانت ترزح تحت الاحتلال يوم انسحب الحلفاء منهزمين أمام جيشه، ولما تمكّن البطل فعل ما لم يقدر المحتلّون على فعله.
فمن أتاتورك إلى جمال عبد الناصر إلى الخميني إلى أردوغان ومن سار سيرتهم كلهم وقفوا ضد الغرب وحققوا انتصارات عليه لكن في إطار المنظومة الغربية، فالغرب لا يمانع في أن تحاربه وتنتصر عليه ثم تخدمه على المدى الطويل.