العلمانيون وتكفير الإباضية
العلمانيون وتكفير الإباضية
محمد سلامي
نشر في: جويلية 2017
أصدرت لجنة الإفتاء التابعة لحكومة حفتر فتوى جاء فيها: “الإباضية فرقة منحرفة ضالة، وهم من الباطنية الخوارج، وعندهم عقائد كفرية، كعقيدتهم بأن القرآن مخلوق وعقيدتهم في إنكار الرؤية، فلا يُصلّى خلفهم ولا كرامة“.
ولنا أن نسأل أصحاب الفضيلة: كيف يكفر من يقول بخلق القرآن تأويلا أما من يكفر بالقرآن كشرع للدولة والمجتمع فهو مسلم تجب طاعته والقتال وراءه والصلاة وراءه إن كان يصلي؟!
لقد نسي الكثير من الإباضية وغيرهم معتقداتهم القديمة واعتنقوا أخرى، فلا معنى للحديث عما في بطون الكتب القديمة وإن بقيت الأسماء نفسها.
وكما أخذ الإباضية خلق القرآن عن المعتزلة أخذوا عبادة القبور واتباع شرع غير الله كديانة للأمة جمعاء لم تنج منها فرقة من الفرق مع تميّز كل فرقة بما لديها من ضلالات خاصة.
فالإباضية الذين يكفرون بالمعاصي، والذين قال سلفهم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: لا حكم إلا لله، وفق فهمهم السخيف للآية، يرسل بعض ممثليهم “مذكرة رسمية إلى المدعية العامة لمحكمة الجنايات الدولية بلاهاي، يشكو فيها اللجنة العليا للإفتاء التابعة للحكومة المؤقتة ومقرها مدينة البيضاء، على خلفية فتوى صدرت بتكفير أتباع المذهب الإباضي وتحرم الصلاة خلفهم ووصفتهم بالخوارج، وهو ما اعتبر تصريحا بانتهاك حقوقهم وتطهيرهم عرقيا“.
فهل هؤلاء على دين جابر بن زيد وعبد الله بن أباض أم حكم الجاهلية يبغون؟!
ومع انحراف هذه الفتوى كان رد الفعل أكثر كفرا وجهلا، ولقيت الفتوى ما يشبه الإجماع من الأصوات المتحكمة في الساحة على رفضها وإدانتها، والدعوة لمحاكمة أهلها حسب ما تقتضيه مبادىء العلمانية وشرائعها.
ولم يكن رد الفعل على الفتوى إثبات صحة المذهب الإباضي، أو عدم تكفير أهلها على الأقل، بل مناهضة “التكفير بين أبناء الوطن الواحد” حسب بيان رابطة علماء ليبيا! بحكم أن المالكية والإباضية تعايشوا منذ قرون، قالوا: “أتباع المذهب إخوتنا ويصلون وراءنا ونصلي وراءهم ولا خلاف بيننا وبينهم في أصول الدين“، ولا أحد يفهم معنى أصول الدين عند القوم، هل هي عبادة القبور، أم اتباع شرائع العلمانية؟
يصنفون أنفسهم كمالكية وإباضية وهذا ليظهر أن الخلاف فقهي في فروع الشريعة، ولو كان الليبيون مالكية أو إباضية ما أسسوا دولة علمانية، لا فقه مالك ولا ابن أباض يحكمانها، ولا ما يستقيان منه من كتاب وسنة، فالرجلان بريئان منهم كبراءة أهل البيت من المنتسبين إليهم اليوم.
قالوا أن الفتوى “تضرب إسفينا في مبدأ التعايش ومفاهيم المواطنة في ليبيا“، مع العلم أن التعايش أو التسامح لا يعني بأي حال من الأحوال أن ننسب مخالفنا في الدين إلى ديننا، فهذا تمييع لا يقبله أي دين وأي مبدأ سواء كان حقا أو باطلا، بل التعايش يقوم على الصراحة (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)، أنا كافر بدينك وأنت كافر بديني.
ونبش آخرون في جانب آخر واعتبروا هذه الفتوى “تحريضا صريحا على الإبادة الجماعية للأمازيغ في ليبيا“، وفسروها بأنها دعوة عنصرية، رغم أن أهل عمان في الجزيرة العربية إباضية أيضا.
وقد رفضوا الفتوى وهذا التوجه كله “من منطلق ضرورة إعلاء المواطنة والتساوي أمام القانون وحرية المعتقد“، مع أن الإسلام يضمن للمشركين حرية المعتقد، لكنهم لا يقصدون إلا حرية الردة عن الإسلام، ثم يفرضون على المسلم دينهم، حتى أنهم يغصبون من الناس أولادهم ليتولوا تربيتهم على كفرهم، ثم يحدثوننا عن حرية المعتقد!
ويسعون لمنع المفتين من الدخول في المسائل السياسية لتبقى الفتوى حكرا على العلمانيين من مثقفين ومشرّعين وإعلاميين، فهؤلاء هم المفتون في المجتمع العلماني، ومعهم الروائيون والممثلون والمغنون كوعاظ وقصّاص، ولذلك كله رأوا في مثل هذه الفتوى “انتهاكا صارخا للمعاهدات والمواثيق الدولية“، فقبلتهم نحو الغرب وحيثما كانوا يولّون وجوههم شطرها، ومن هناك يتنزل عليهم الوحي (وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ).
يقول العلمانيون الذين ينتسبون إلى الإسلام ويفرضون على الإسلام أن يتبع أهواءهم: نحن ضد الشيوخ ولسنا ضد الإسلام، فهل يقبلون لو قال قائل: أنا ضد أساتذة القانون والبرلمانيين والقضاة والشرطة ولست ضد القانون؟
يريدون إسكات صوت الإسلام لا إسكات الشيوخ فقط، سواء هاجم الإسلام العقائد الوضعية أو هاجم العقائد الغيبية المخالفة له، يعني أنه لا يجوز للإسلام أن يتخذ موقفا ممن يخالفه في أي مسألة من المسائل حتى الغيبيات.
وهم يعلمون أنهم بذلك يحكمون على هذا الدين بالزوال، فدين لا تكفير فيه ينفي نفسه بنفسه، ولا داعي لوجوده، مادام من يتبعه ومن يخالفه سواء.
قد يكون ما صدر من لجنة الفتوى تكفيرا خاطئا، لكن الخطأ يجب أن يصحّح، لا أن يمحى تكفير الكافر كلية من الإسلام، بتحريم تقسيم المواطنين إلى مسلمين وكفار وطائعين لله وعصاة، والدعوة للتخلّص من “ثقافة التكفير وتقسيم الناس على الهويات الدينية والمذهبية”، فهذا تملّص من الإسلام كله، وإحلال ثقافة “مجتمعية قائمة على المواطنة والقانون” محل رابطة الإسلام.
فمبادئكم الوضعية فيها تمييز بينها وبين غيرها، وتكفير لمن لا يؤمن بها، بمعنى الفصل بين من يؤمن بها ومن يكفر بها، حتى وإن لم تستعملوا كلمتي (المؤمن والكافر)، وقد يقع الخطأ أو التعسف أو التجاوز في ذلك ومع ذلك تتمسكون بتكفيركم، فتحاربون التكفير الإسلامي، وتعتبرونه “جريمة خطيرة تندرج تحت طائلة الإرهاب“، لتستبدلوا به التكفير الديمقراطي والتكفير الشيوعي والتكفير الوطني ضد من لا يؤمن بها.
هذه العقائد الشيطانية التي انتشرت انتشار النار في الهشيم، ولها الصوت العالي في المجتمع، لا تجد ـ مع الأسف ـ لجنة إفتاء تكفّر أهلها وتحرّم الصلاة خلفهم.