المطلوب رفع الغطاء الشرعي عن العلمانية
المطلوب رفع الغطاء الشرعي عن العلمانية
الكاتب: محمد سلامي
تساءلت في حيرة وخوف من غضبة السلطان، غير أن حيرتي تغلبت على خوفي في النهاية: كيف يمكن للناس أن يفهموا هذا الدين والشيخ الفلاني يقول لهم أن الديمقراطية كفر بالله، مصداقا لقول الله عز وجل: (إِنِ الحُكْمُ إِلاَّ للهِ) لا للشعب ولا لرؤسائه، والآخر يقول لهم: أطيعوا حكامكم، مستدلا بقول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ)؟!
ويستدل لدرء فتنة الخارجين على الحكام بقول الله -عز وجل-: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُم إذْ كُنْتُم أَعْدَاءًا فَألَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُم فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) وأن الخلاف يسوّى بالتي هي أحسن والتفاهم بتحكيم الكتاب والسنة، وكأن الحكومات تعترف بتحكيمهما، ويدعون لسحب البساط من تحت هؤلاء المحاربين للحكام، ورفع الغطاء الشرعي عن أعمالهم.
بينما المطلوب –أوّلا- هو رفع الغطاء الشرعي عن العلمانية والديمقراطية وأنظمتها، وتعريتها من ثوب الإسلام، حتى تظهر أمام الناس على حقيقتها كفرًا وشركا بالله، وسحب البساط من تحت أولئك الذين يوظفون إسم الإسلام ونصوص الكتاب والسنة لتثبيت دعائم هذا الكفر، حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين كله لله، ولتحقيق المعنى المباشر لشهادة أن لا إله إلا الله على أرض الواقع.
وحينها –فقط- تدحض شبهات الخارجين على الحكام، أما والكفر لا يُذكر فضلا عن أن ُينكر، فهو مفروض كأمر واقع، ومتبجحٌ إلى حد الصلف، فإنه يوفر ألف حجة وحجة لمن يعتقد أن الجهاد هو أصل الدين.زعم المضلل أن سيُخمِد نارَها أبشر ببركانٍ يثور ويُزبد
وإن قال قائل: كيف يغيب على العلماء مثل هذه الأمور؟ أقول: كيف غاب عن علماء القرون الماضية حكم دعاء القبور من دون الله؟ وهم يقرأون القرآن ويحفظونه أكثر منا، ولكنه لا يجاوز حناجرهم، ولا ينفذ إلى قلوبهم، عندما يفهم المرء هذا يدرك ما هم عليه اليوم، إنه العجز عن الإنعتاق من ربقة الواقع المنحرف.
وفي اعتقادي أنه ليست هناك دولة ذات قوة ومنعة وجيوش ومؤسسات وهي غبية، إلى درجة أنها تبني مساجد وجامعات ومعاهد وتنفق عليها وعلى أساتذتها وأئمتها وطلبتها، ثم تدعهم يدرسون عقائد وعلوما لا تخدمها، بل تدعو للإنقضاض على هذه الدولة وإبطال مبادئها.
فهذه المؤسسات التي شيدتها الدولة يتخرج منها أقوام يؤمنون أنه بالإمكان أن يكونوا مسلمين مع عدم تحكّم الإسلام في دولتهم، ويخدمون في النهاية الدولة التي علمتهم ذلك، بخلاف الذين بحثوا عن الإسلام مستقلين ومتحررين من قيودها وبرامجها الدراسية، على حذر من الأهواء طبعا.
ولهذا فالدولة العلمانية ببراغماتيتها المعهودة تستغل الإسلام بصورة رخيصة، فلا تقبل إلا بدين يقدم لها الشرعية المفقودة، أو يسكت عنها على الأقل، مجانا أو بثمن قليل، وكل ثمن يباع به دين الله قليل.
ورغم افتضاح أمر هؤلاء العلماء من كهنة العلمانية وسدنة معابدها النافخين فيها الروح، فإنهم ُيقدمون للناس على أن علمهم قاعدة مسلّمة يبدَّع ويضلَّل كل من خالفهم، على أنهم العدول الظاهرون على الحق إلى قيام الساعة، رغم أن العلم اليوم يقاس بالمناصب التي ترفع الدولة العلمانية بعضها وتضع آخرين، وبذلك يغلقون الأبواب على كل من تسوّل له نفسه طلب العلم عبر قناة من غير قنواتهم، والبحث عن الدليل من غير المصادر التي يبدونها ويخفون كثيرًا.