الرئيسة مؤلفات وردود مقالات مرئيات شـعـر مواقع اتصل بنا
هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ             َهذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ
 الصفحة الرئيسة
  مؤلفات وردود
      أجوبة متفرقة



أجوبة متفرقة

محمد سلامي - تاريخ الإضافة : 2017.08.25 Share

السؤال:
لماذا لم يتفطن العلماء إلى دعوتكم ولم يتبنّوها، وهم ورثة الأنبياء، وفيهم من يحارب الظلم والسلطان؟



    في الواقع ليس هناك أمة تؤسس معاهدَ ومساجد وجماعاتٍ وأحزابا لتحطيم نفسها، ولكن لتكمل هذه المؤسسات البناء الكلي للأمة، وتدافع عنه، لذلك لا نستغرب إن لم تعلّمهم إلا الدين الذي يحفظ كيانها، ولا يرتقي الدرجات في سلّمها إلا من كان أرسخ قدما في نهج تبرير دين الأمة ثم الإستدلال به كدليل بحد ذاته، ولذلك تجدهم يستدلون بعدم القدرة على تكفير الأمة بكاملها، حفاظا على وحدتها من التمزق ومنع الصراع بين مكوناتها.
    ولا يعلّمونهم إلا المصالح المرسلة الإجتهادية لخدمة أمتهم، ويطغى هذا المجال على كل مجالات الشريعة حتى التوحيد والشرك، فكلها توزن بميزان جلب المصالح ودرء المفاسد، ولا يُطرح أبدا سؤال: هل نحن مسلمون؟
    فالجميع يعتقد أنه يتحرك في إطار (أمة إسلامية)، وحتى الذين يحاربون الظلم والإستبداد يطرحون مسألة: هل الحاكم مسلم؟ فيحصرون الكفر في الحاكم دون سائر أمته خدمةً لخطهم السياسي.
    لذلك فالأمر غير مستغرب، بل الغريب أن يشذّ واحد ويخالف هذا المحيط الآسن، فلا تسأل عن هالك كيف هلك؟ بل سل عمّن نجى كيف نجى؟
    ثم إن الهدى والضلال قضية هوى وشهوة، قبل أن يكونا قضية فطنة وغفلة أو ذكاء وغباء أو علم وجهل، فالقضية قضية دين يصعب على الناس تغييره، قبل أن تكون مسألة علمية فقهية ونص يغيب عن هذا أو ذاك، ويتفطن له الأذكى، فالقرآن يقرأه المسلم والعلماني والصوفي والشيعي ويحفظونه جميعا ويرتلونه جميعا.
    وتجد العالم أقرب إلى الحق كلما كان مستقلا في بحثه عن الدين بعيدا عن الصدارة، سواء كان خاضعا للسلطة أو للشعب، وكلاهما فتنة، والضلال ليس منحصرا في علماء السلطان، فليس السلطان هو الوحيد الذي خالف التوحيد حتى يكون معارض السلطان مسلما، بل الشعب يخالف التوحيد مثل الحكام، وحضن الشعب مثل حضن السلطان، وقد يكون الإفتتان بالجماهير أكبر من الحكام.
    ومَن يوضع أو يضع نفسه مسبقا في إطار معين يصعب عليه التراجع بعد أن يسير مسافات وإن عرف الحق الذي خالفه، إلا من وفّقه الله، ولهذا قال الله عنهم: (كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ) (الشورى: 13)، وبعدها يجد لنفسه مبررات وشبهات يُقنع بها نفسه ويوهمها بأنه على الحق.
    فالدين ليس معلومات رياضية نظرية حتى يقال: كيف غاب عن فلان المتبحر؟! وإنما ديننا مرتبط بواقعنا وحياتنا، ولذلك نألفه.
    ومن أسباب الضلال تشبُّث الإنسان بما ورثه وألِفه: (قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا) (هود: 62).
    فيتربى الناس على أنهم على الحق المطلق، ويختلط دينهم بذواتهم فيتعصبون له: (كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) (المؤمنون: 53)، (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ) (النمل: 24).
    ومنها اتباعهم لما يُملى عليهم من القادة الحكام أو المعارضين: (وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) (هود: 59).
    ومنها خوفهم من العواقب إن خالفوا الناس: (وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا) (القصص: 57).
    ومنها اتباعهم الأكثر: (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) (الأنعام: 116)، ويستدلون على ذلك باتباع السواد الأعظم والجماعة، يغطّون بذلك الكفر.
    ومنها استصغارهم للمسلمين: (فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاّ بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ) (هود: 27)، (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ) (الأحقاف: 11)، فهم عندهم سفهاء الأحلام حدثاء الأسنان.
    ويبيّن الله أن كفرهم لفساد في قلوبهم: (وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلاّ الْفَاسِقُونَ) (البقرة: 99)، لا لقلة علمهم.
    وقد كان مشركو العرب الأمّيون ينظرون إلى اليهود كأهل كتاب مثل نظرة الناس للعلماء اليوم، أما اليهود فلم يتبعوا محمدا صلى الله عليه وسلم حسدا لأنه نبي من ولد إسماعيل: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا) (النساء: 54).
    وقال الله تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (الأعراف: 176).
    وفي سبب نزولها قال ابن عباس: لما نزل موسى بهم -يعني بالجبارين- ومن معه، أتاه -يعني بلعام- أتاه بنو عمه وقومه، فقالوا: إن موسى رجل حديد، ومعه جنود كثيرة، وإنه إن يظهر علينا يهلكنا، فادع الله أن يرد عنا موسى ومن معه. قال: إني إن دعوت الله أن يرد موسى ومن معه، ذهبت دنياي وآخرتي. فلم يزالوا به حتى دعا عليهم، فسلخه الله ما كان عليه، فذلك قوله تعالى: (فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ).
    وقال مالك بن دينار: كان من علماء بني إسرائيل، وكان مجاب الدعوة، يقدمونه في الشدائد، بعثه نبي الله موسى إلى ملك مَدْين يدعوه إلى الله، فأقطعه وأعطاه، فتبع دينه وترك دين موسى عليه السلام.
    وقيل أن الآية نزلت في أمية بن أبي الصلت الذي كان قبل البعثة قد قرأ الكتب واجتنب الأوثان، ولما أرسل الله محمدا صلى الله عليه وسلم كفر به.
    عن عمرو بن الشريد عن أبيه قال: رَدِفْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، فَقَالَ: (هَلْ مَعَكَ مِنْ شِعْرِ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ شَيْءٌ؟) قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: (هِيهْ) فَأَنْشَدْتُهُ بَيْتًا، فَقَالَ: (هِيهْ) ثُمَّ أَنْشَدْتُهُ بَيْتًا، فَقَالَ: (هِيهْ) حَتَّى أَنْشَدْتُهُ مِائَةَ بَيْتٍ. وزاد في رواية قال: (إن كاد لَيُسلم) (رواه مسلم).
    قال ابن حجر في الإصابة: (وفي الطبراني الكبير عن أبي سفيان بن حرب قال: خرجت تاجراً في رفقة فيهم أمية بن أبي الصلت، فذكر قصة فيها أن أمية قال أن نبياً يبعث بالحجاز من قريش، وأنه كان يظن أنه هو إلى أن تبين له أنه من قريش، وأنه يبعث على رأس الأربعين، وأنه سأله عتبة بن ربيعة فقال: إنه جاوزها، قال: فلما رجعت إلى مكة وجدت النبي صلى الله عليه وسلم قد بعث، فلقيت أمية فقال لي: اتبعه فإنه على الحق، قلت: فأنت؟ قال: لولا الإستحياء من صبيات ثقيف إني كنت أحدّثهن إني هو، ثم يرَيْنَني تابعاً لغلام من بني عبد مناف.
    ومن شعر أمية من قصيدة:
كل دين يوم القيامة عند ... الله إلا دين الحنيفة زور
ومن قصيدة أخرى:
يا رب لاتجعلني كافراً أبداً ... واجعل سريرة قلبي الدهر إيماناً).
    ثم نجده يبكي على مشركي قريش مثل أبي جهل وعتبة يوم قتلوا في بدر، قال ابن هشام في السيرة: (وقال ابن إسحاق: وقال أمية بن أبي الصَّلْت، يرثي من أصيب من قُريش يوم بدر:
ألا بَكِيتِ على الكرا ... مِ بني الكرامِ أولى الممادِحْ).
    فهذا عالم عرف الحق ولم يجهله، لكن سبب كفره هو الحسد والكبر، فهناك من يريد أن يكون رأسا في الحق، فإن سبقه غيره إليه لم يرض أن يكون تابعا، ووقف مع الباطل.
    ومن راقب واقع علماء عصره يجد كل واحد منهم قد أخذ بنصيب من هذا السبب أو ذاك، أو اجتمعت فيه عدة أسباب ظاهرة وباطنة، نفسية واجتماعية وثقافية واقتصادية وسياسية وأمنية وغيرها.
    وإنما يتبع دين الله من كان متغلبا على تلك الموانع والعوائق ابتغاء مرضاة الله، حتى وإن بقيت عنده بعض الشبهات سرعان ما ينسفها بالبينات التي تلائم العقل والفطرة.
   

أعلى الصفحة