الرئيسة مؤلفات وردود مقالات شـعـر مواقع اتصل بنا
هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ             َهذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ
 الصفحة الرئيسة
  مؤلفات وردود
      أجوبة متفرقة



أجوبة متفرقة

محمد سلامي - تاريخ الإضافة: 2013.05.15 Share

السؤال:
هل محبة الوالدين والأقارب المشركين تنقض الإسلام، أم تجوز محبتهم لقرابتهم وبغضُهم لكفرهم، كما أن بغض المسلم لإسلامه كفر وبغضه لهوى أو حسد أو غيره ليس كفرا؟



    تظهر الحاجة كل يوم لتَلقّي العقيدة من الكتاب والسنة والرجوع إليهما مباشرة، لترسَخ فينا طريقة عمل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والذين اتبعوهم بهذه العقيدة دون إفراط ولا تفريط، وإلا فإنه سيخرج فينا كل مرة من يبني عقيدة على كلمة وجدها في كتاب، فيوالي ويبرأ على أساسها، بينما كاتبها بريء من فهمه في أكثر الأحيان.
    وهذا كمن يقرأ لسيد قطب (جنسية المسلم عقيدته) فيعتقد أن انتساب المسلم إلى جنس أو وطن كفر، ونظير ذلك كثير، ولو تشرّب هذا سيرة المسلمين الأوائل وفهمهم للدين ما وقع في هذا الفهم.
    فكثيرة هي الأمور التي وقعت زمن الصحابة لو وقعت في زماننا لاعتبرها كثير منا ردةً عن الإسلام، وهذا النقص يحول دون تَمكننا من تقديم الإسلام للناس.
    هناك محبة جُبل عليها الإنسان وهناك كره مجبول عليه أيضا، قال الله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (البقرة: 216).
    (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) (النساء: 19).
    (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم: 21)، فهذه المودة والرحمة جعلها الله بين الزوج وزوجته وإن كانت كتابية، ولو كانت تلك المودة محرمة لبيّن الله لنا ذلك يوم أجاز الزواج بالكتابيات، وعندها لا يمكن أن يتزوج مسلم كتابية، وقد كان أزواج بعض الأنبياء كافرات.
    ولذلك حرم الله نكاح المشركات وإنكاح المشركين مع وجود الإعجاب بهم وبهن في أمور أخرى غير الدين: (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ) (البقرة: 221).
    (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ) (آل عمران: 14).
    (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا) (الإنسان: 8)، فالمنهي عنه ليس حب الطعام.
    (يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آَلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا) (مريم: 47).
    (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء) (القصص: 56)، فلم ينكر عليه الله عز وجل محبة عمه أبي طالب ووالديه، وقد زار قبر أمه فبكى.
    وهناك محبة مأمور بها شرعا وكره مأمور به شرعا، وبالتالي فهناك محبة محرمة وكره محرم، ومحبة وكره هما كفر بالله.
    (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) (الحجرات: 7).
    (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ) (النور: 19).
    (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) (آل عمران: 31).
    (قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) (التوبة: 24).
    (وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ ردُّّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالأعْنَاقِ) (ص: 33)، وهذا عندما ألهاه تعلّقه بالخيل عن الصلاة.
    (لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) (المجادلة: 22).
    (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) (البقرة: 165).

(الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ) (الزخرف: 67).
    (إِنَّ هَؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلا) (الإنسان: 27).
    (الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآَخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) (إبراهيم: 3).
    ومع ذلك فحب الدنيا ليس كفرا مخرجا من الإسلام مطلقا، فعن ثوبان قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها) فقال قائل: ومن قِلّةٍ نحن يومئذٍ؟ قال: (بل أنتم يومئذٍ كثيرٌ، ولكنكم غثاءٌ كغثاء السيل، ولينزعنَّ اللّه من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفنَّ اللّه في قلوبكم الوهن) فقال قائل: يارسول اللّه، وما الوهن؟ قال: (حبُّ الدنيا وكراهية الموت) (رواه أبو داود وأحمد).
    عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع) (رواه مسلم).
    وعن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من رأى منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) (رواه مسلم).
    وعن أنس بن مالك قال: رأيت أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فرحوا بشيء لم أرهم فرحوا بشيء أشدَّ منه، قال رجل: يارسول اللّه، الرجل يحب الرجل على العمل من الخير يعمل به ولا يعمل بمثله، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (المرء مع من أحبَّ) (رواه أبو داود وأحمد).
    وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل من بني النجار: (أسلِم) قال: أجدني كارها، قال: (أسلم وإن كنت كارها) (رواه أبو يعلى وأحمد)، وهذا يختلف عن المنافق الذي يُظهر الإسلام ويبطن كرهه، وإنما هذا قد غالب نفسه وأكرهها على ما يرضي الله.
    وعن أبي أمامة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: (مَن أحبَّ للّه وأبغض للّه وأعطى للّه ومنع للّه فقد استكمل الإِيمان) (رواه أبو داود).
    وعن عبد الله بن هشام قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب، فقال له عمر: يا رسول الله، لأنت أحب إليّ من كل شيء إلا من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا، والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك). فقال له عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب إليّ من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الآن يا عمر) (رواه االبخاري).
    فالحب والكره يزيدان وينقصان ويتبعّضان، وكذلك يجتمعان في الشيء الواحد من جهتين وسببين مختلفين، فالمسلم نحبّه لإسلامه ونبغضه لمعصيته، وكل هذا مأمور به شرعا، وقد نحبه لأمر جُبلنا عليه أو لمنفعة دنيوية، وقد نبغضه معصية حسدا مثلا، مثلما يكره المريض الدواء المرّ والعملية الجراحية ويحبهما لمنفعتهما.
    والقتال تكرهه نفوسنا طبعا، ونحبه لأنه إرضاء لله ونصر لدينه، والمال نحبه لكننا نحب الصدقة، ويجب أن نغلّب حبنا للبر طاعة لله على حبّنا للمال، وهذا يظهر بعمل الجوارح، ولسنا مأمورين شرعا بكرهِ المال كلَّ الكره وحبِّ القتال كلَّ الحب، لأن هذا أقرّه الله فينا كواقع لا ينكَر ليبتلينا به، وإنما يجب أن نغلّب حبنا لله على حبنا للمال والسلامة عملا، وعند العمل يظهر ذلك.
    ولم ينهنا الله عز وجل عن المحبة الفطرية للوالدين والأزواج والأولاد إن كانوا كفارا، وإنما نهانا عن أن توصلنا محبتهم إلى التفريط في جنب الله، فنقع في معصية أو كفر استجابةً لرغباتهم، وهو معنى قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (التغابن: 15).
    والله أعلم

أعلى الصفحة