الرئيسة مؤلفات وردود مقالات مرئيات شـعـر مواقع اتصل بنا
هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ             َهذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ
 الصفحة الرئيسة
  مؤلفات وردود
      أجوبة متفرقة



أجوبة متفرقة

محمد سلامي - تاريخ الإضافة : 2017.08.25 Share

السؤال:
ما حكم تخصيص حكام المشركين بوصف الطواغيت؟



    من المصطلحات التي راجت في زماننا مصطلح (الطاغوت)، فنقرأ مثلا: جيش الطاغوت أو سجن الطاغوت أو مدرسة الطاغوت أو غير ذلك.
    وعندما نتتبع سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وسير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الذين أمرنا الله تبارك وتعالى بالتأسي بهم لا نجد هذا الوصف متداولا بهذا الشكل، وما كانوا يرددون ـ كما يفعل قوم اليوم ـ كلمات من قبيل: الطاغوت أبو جهل أو الطاغوت فرعون أو الطاغوت إبليس، حتى وإن كان هذا الوصف صحيحا شرعا، فهو يشمل كل من دُعي من دون الله أو اتُّبع أو أطيع أو احتُكم إليه خارج إطار دين الله عن رضى منه.
    فقد كانوا يصفون مخالفيهم في الدين بالمشركين والكافرين، ولا نقرأ كلمة (الطاغوت) إلا نادرا جدا لا يكاد يذكر، أما اليوم فتتكرر على الألسنة في كل حين وفي كل سطر تقريبا، بل أصبحت بديلا عن الأوصاف المذكورة في الكتاب والسنة مثل الكفار والمشركين، فيكفينا وصف غير المسلمين بذلك، كما كان يفعل الذين سبقونا بالإسلام والإيمان.
    ولم يقتصر الأمر اليوم على التركيز والاستعمال المفرط لهذا المصطلح، بل قد انحرف به الناس عن طريق التكرار وحصروه في الحكام، وكان هذا مجرد اقتباس للتيار المعارض للحكام الجائرين من القرآن، فوصفوا الحكام الطغاة بالطواغيت، مع أن معنى الطاغوت أمر زائد عن معنى الطاغية، والكثير منهم يقصد طغيانهم على حقوق شعوبهم لا ادعاءهم ما هو حق لله، وإلا فالشعب المستضعف يدّعي لنفسه أيضا ما هو حق لله، وينطبق عليه وصف الطاغوت مثله مثل الحكام المستكبرين.
    فالطاغية قد يكون مسلما ظالما أما الطاغوت فكافر بالضرورة، وإلا فكيف أمرنا الله أن نكفر به؟ لكن علماء المشركين تلاعبوا أكثر وقالوا أن الطاغوت قد يكون مسلما لا يجوز تكفيره. ولقد تعوّدنا على سماع مثل هذه العبارات: (الصراع بين الطواغيت وشعوبهم)، أو (الصراع بين الدولة الطاغوتية وجماعة كذا)، وهنا يصل التحريف إلى العقيدة، وليس مجرد خلل في الاصطلاح، إذ أن هذا التعبير ينفي وجود معنى الطاغوت في الشعب أو في تلك الجماعة، وهذا يعني أنهم مسلمون، إذ لا كفر بلا طاغوت، فربما كان الطاغوت مفتيا أو إماما أو معلما أو صحافيا أو شاعرا، وإن لم نعرفه فإن الشيطان الذي سوّل لهم طاغوت متبوع ومطاع في الكفر.
    قال الله تعالى: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آَدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (يس :60).
    (إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ) (النحل: 100).
    ( أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ) (الفرقان: 43).
    وإن كان الكثير من الذين يرددون هذه التعبيرات يؤمنون بتكفير الحكام والمحكومين، ولا ينتبهون إلى ما تنطوي عليه من تحريف، لكن هذا الاستعمال المحرّف يؤدي إلى انحراف العقيدة. وكما حصر بعضهم الكفر في الحكام ومن يواليهم كذلك حصروا معنى الطاغوت في الحكام وعمّموه على جنودهم، مع أن الجنود أتباع عابدون للطاغوت.
    وصفة العابد أو المعبود قد تكون ظرفية مؤقتة غير دائمة ولا ثابتة، فالطاغوت المعبود هو عابد لمن أخذ دينه منه وعابد لهواه وللشيطان، كذلك قد يكون المشرك العادي من عامة شعبه طاغوتا معبودا ولو من أهل بيته أو تلاميذه أو أصدقائه مثلا، فيدعو غيره إلى ضلالة فيستجاب له، وكما يعبد الشعبُ حاكمَه كذلك يعبد الحاكمُ شعبَه من دون الله.
    ولم يأمرنا الله بتمييز طوائف المشركين: هذا عابد وهذا معبود، لأنهم في الكفر سواء، بل أمرنا بالكفر بهم جميعا، قال عز وجل: (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا) (البقرة: 256)، وقال: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ) (الممتحنة: 4).
    ولم يرتب لنا الله عز وجل في شرعه أحكاما خاصة بملإ المشركين دون عامتهم، أو بالمعبود منهم دون العابد، كيف وهاتان الصفتان تجتمعان في شخص واحد وقد تتغيران بين لحظة وأخرى؟ وكعادة الكثير من الضلالات قد تبدأ من مستصغر الشرر، فكلمة عابرة تقال وتُكرر ثم ترْبُو في معناها، وتأخذ أبعادا غير مسبوقة، حتى تتحول إلى عقيدة قائمة بحد ذاتها، وقد بدأ الانحراف من تكرار هذا الوصف، ثم جعلوه حكرا على الحكام، ثم خصّوهم ببعض المعاملات، وصار البعض يتكلمون عن حكم (الوظائف الحكومية الطاغوتية)، وعن (الصبغة الطاغوتية)، ورتبوا لها أحكاما لا دليل عليها من شرع الله، ثم وصل الأمر بالبعض إلى التمييز بين الطواغيت أنفسهم حسب أوصاف ما أنزل الله بها من سلطان، ولم يعرفها المسلمون يوما، ثم بنوا على ذلك عقائد فاسدة.
   

أعلى الصفحة