الرئيسة مؤلفات وردود مقالات شـعـر مواقع اتصل بنا
هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ             َهذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ
 الصفحة الرئيسة
  مؤلفات وردود
      أجوبة متفرقة



أجوبة متفرقة

محمد سلامي - تاريخ الإضافة: 2013.05.15 Share

السؤال:
امرأة من أقربائي أسلمت ثم وقعت في الكفر، ولكنها اليوم تحلف بتوبتها وصدقها، وأنا أخشى أن كل هذه التصرفات من أجل أن نتقارب مرة أخرى وليست توبة صادقة.



    إذا أظهر الإنسان الإسلام يُحكم بإسلامه سواء كان صادقا أو منافقا، فالحكم على الظاهر، ولا يجوز التنقيب والتحقيق مع الناس حتى ولو شككنا في سرائرهم، فلم يكلفنا الله بذلك، ولا نستطيعه، فقد كان المنافقون زمن النبي صلى الله عليه وسلم يخادعونه وهو يعاملهم كمسلمين.
    قال الله عز وجل: (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ) (المنافقون: 1).
    (وَلَوْ نَشَاءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) (محمد: 30).
    عن عبيد الله بن عدي بن الخيار أن رجلا من الأنصار حدّثه: أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي مَجْلِسٍ فَسَارَّهُ يَسْتَأْذِنُهُ فِي قَتْلِ رَجُلٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، فَجَهَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَلَيْسَ يَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ؟ قَالَ الأَنْصَارِيُّ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، وَلا شَهَادَةَ لَهُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَيْسَ يَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ؟ قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، وَلا شَهَادَةَ لَهُ، قَالَ: أَلَيْسَ يُصَلِّي؟ قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، وَلا صَلاةَ لَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أُولَئِكَ الَّذِينَ نَهَانِي اللهُ عَنْهُمْ) (رواه أحمد وغيره).
    عن ابن عباس قال: مرّ رجل من بني سليم على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه غنم له، فسلّم عليهم، قالوا: ما سلم عليكم إلا ليتعوّذ منكم، فقاموا وقتلوه، وأخذوا غنمه، فأتوا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) (النساء: 94) (رواه الترمذي وأحمد وابن حبان).
    عن أسامة بن زيد قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة، فصبّحنا القوم فهزمناهم، ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم: فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله، فكفّ الأنصاري عنه، فطعنته برمحي حتى قتلته، فلما قدمنا بلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا أسامة، أقتلته بعد ما قال: لا إله إلا الله؟)، قلت: كان متعوذا، فما زال يكررها، حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم. (رواه البخاري ومسلم).
    عن المقداد بن عمرو الكندي أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار فاقتتلنا، فضرب إحدى يديّ بالسيف فقطعها، ثم لاذ مني بشجرة فقال: أسلمت لله، أقتُله يا رسول الله بعد أن قالها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقتله). فقال: يا رسول الله إنه قطع إحدى يديّ، ثم قال ذلك بعد ما قطعها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقتله، فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال) (رواه البخاري ومسلم).
    فكثيرا ما يكون الظن بنفاقهم الباطني صحيحا لظهور علامات تشير إليه، لكن لا يجوز أن نجعل الظنون التي يتفاوت فيها الناس معيارا للحكم بإسلام الناس وكفرهم، وإنما المعيار هو الظاهر والله يتولى السرائر، فمن ثبت إسلامه بيقين لا يحكم بكفره إلا بيقين، وإن أنكر وقوع الكفر منه ولم توجد بيّنة صدّقناه.
    ثم ينبغي أن نفهم أن حالنا ليست كحال المسلمين في المدينة يوم كان المنافقون مغلوبين، فنحن لا سلطان لنا على الناس، وإن قاطعناهم سنقاطع أنفسنا، لأننا الطرف الأضعف، فالهجر مطلوب في مجتمع المسلمين لينزجر الضال ويحس بالحصار والعزلة، وهذا غير متحقق في واقعنا.
    طبعا نتبرأ من المرتد ونصرح له بأنه قد كفر، ولا ينتهي الأمر هنا، بل يجب أن نربط الكفر بالترغيب في التوبة، لا نربطه بالهجر، لأن الهجر في واقعنا هو دفع إلى الإصرار على الكفر ولا يزجر المرتد، إذ يجد المجتمع الجاهلي الذي يحتضنه.
    حتى ولو كان إظهار الإسلام لغاية أخرى كقرابة أو مصلحة دنيوية فإننا نعتبر كل من أظهر لنا الإسلام مسلما، فقد دخل حمزة رضي الله عنه في الإسلام حمية لابن أخيه وثأرا، وبعضهم دخل في الإسلام من أجل المال، عن أنس: أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَنَمًا بَيْنَ جَبَلَيْنِ، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ، فَأَتَى قَوْمَهُ فَقَالَ: (أَيْ قَوْمِ أَسْلِمُوا، فَوَاللهِ إِنَّ مُحَمَّدًا لَيُعْطِي عَطَاءً مَا يَخَافُ الْفَقْرَ)، فَقَالَ أَنَسٌ: (إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيُسْلِمُ مَا يُرِيدُ إِلا الدُّنْيَا، فَمَا يُسْلِمُ حَتَّى يَكُونَ الإِسْلامُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا) (رواه مسلم).
    فمثل هذا نحكم بإسلامه، فإن شككنا فيه نعينه على تثبيت الإيمان في قلبه، ولا نعين الشيطان عليه، وينبغي أن لا نشعره بأننا نحاسبه على ما في قلبه ولا نثق فيه، فيزداد تملقا لنا، وإنما نخوّفه بالله، ونحمّله المسؤولية أمام ربه عز وجل، وفي هذه الحال لا يحتاج الإنسان إلى أدلة على صحة العقيدة، وإنما يحتاج لمن يغرس فيه الصدق والتقوى ويبث فيه الشجاعة لمخالفة هوى النفس والمجتمع الجاهلي.

أعلى الصفحة