الرئيسة مؤلفات مقالات مواقع اتصل بنا
هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ             َهذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ
 الصفحة الرئيسة
  مقالات
      يومَ يكفرون بالعلمانية وأهلها



يومَ يكفرون بالعلمانية وأهلها

الكاتب: محمد سلامي

   الشيخ –السلفي ادعاءً- الذي يسمع ويطيع للأمير الديمقراطي إنسان ممسوخ، مظهره أشبه بأحمد بن حنبل أو سفيان الثوري في هديه وسمته، ومعتقده أشبه بمكيافيلي ومونتسكيو، رأيناه يتحسر على زمان مضى، حيث كان الناس يتعلمون أمور الدين البسيطة كالأخلاق النبيلة وتلاوة القرآن، فما بالهم اليوم يبحثون عما لا يعنيهم كالكفر بالطاغوت وتكفير الكافر؟!

   يريد هؤلاء أن يجعلوا من الإسلام قطة أليفة، وكأن الله قال للحكام: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم، فأنتم استثناء من قاعدة (إنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِه).

   إن الدين الذي يترحم أهله على بابا النصارى وعلى الهاشمي شريف الشيوعي ليس إسلاما، والأمة التي تثير نقاشا ساخنا حول إبقاء شرط الولي ضمن أركان الزواج أو حذفه ليست مسلمة، وتأمل معي كلمة "إبقاء".

   كلنا نعرف ما يخطط له هؤلاء ومن أوحى إليهم بذلك، ولهذا أقترح عليهم –حتى يوفروا جهدهم- نماذج من بعض الآيات، عليهم أن يقوموا بمحوها وتنتهي المشكلة: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ)،(وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ).

   ولدعاة الأخوة بين أهل الأديان نقول: امحوا إن استطعتم (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)،(لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ).

   فإن لم يقدروا –ولن يقدروا- فليثوبوا إلى رشدهم، لكنهم أذكى من أن يحاولوا ذلك، فعوض أن يحرقوا المصاحف ويقتلوا كل من يقول: لا إله إلا الله، رأوا أن تلك الطريقة تؤدي إلى نتائج عكسية، لقد كان فرعون غبيا.

   فعملوا على تحفيظ القرآن والإعتناء به وتجويده، وهي الطريقة التمييعية الخبيثة التي لا يتفطن لها الناس، فتصبح الشرائع والعقائد المخالفة للواقع المنحرف مجرد تسابيح وتلاوات ينصتون إليها في خشوع، ولا أثر لها إلا في النفس والذوق والوجدان، وفي كل مرة يعاد مفهوم الدين كله إلى المسجد ويحاصر بين جدرانه، فيرضاه عامة الناس وعلماؤهم، فالسياسة هي التي تقود الدين وتكيفه حسبها.

   إن هذه الأمة التي تدعي هذا الدين مطالبة بمراجعة نفسها، وتصحيح ما خالفته فيه، ككيان وكأفراد أوّلا، إنهم يشتمون الله ورسوله ويقولون لك: الدانمارك، ويحاربون دين الله ويقولون: أمريكا.

   كيف استطاعت العلمانية أن تربي الشعوب على مبادئها مهما كانت غريبة؟ إن هذه النقطة كان على الحركات الباحثة عن الإسلام أن تقف عندها، فهذه الشعوب –في العموم الغالب- لازالت مهيأة لتقبّل كل ما تضخه مخابر الغرب من عقائد، أكثر من استعدادها لتقبّل الإسلام على حقيقته، وإن خيّل لذوي النوايا الطيبة غير ذلك.

   الجزائريون الذين نالوا حريتهم النسبية واستقلالهم المزعوم بأنهار من الدماء لن يفرّطوا في وحدتهم بسهولة ولو لصالح الإسلام، وهذا بسبب تاريخهم الثوري الذي استثمرته الدولة العلمانية ليقف حاجزا أمام تحولهم للإسلام.

   لقد أثّرت فيهم الأناشيد الوطنية "قسما...من جبالنا...جزائرنا...موطني" أكثر مما أثرت فيهم آيات القرآن الكريم (أَفَحُكْمَ الجَاهِلِيةِ يَبْغُون وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُون).

   فأخيرًا انتصرت العلمانية بواسطة أئمة المساجد، وظهرت في قانون الأسرة والمنظومة التربوية وحرية الكفر والعهر وغيرها، وانزوى من بقيت فيهم بقية خير ليموتوا كمدًا، وفسح المجال لدين هجين مميّع، لا يدري أهله أي ولاء وأي انتماء يتبعون.

   لأن الناس يظنون أنهم مسلمون دون كفر بالطاغوت، ولو كان الناس مسلمين ما استطاعت الأنظمة العلمانية عزلهم عن الحركات المناهضة للحكم العلماني بسياسة العصا والجزرة، وببناء الإقتصاد وموالاة العلمانية.

   ولن تكون هناك أمة مسلمة ولا خلافة راشدة على منهاج النبوة ما دامت قواعد الإسلام العلمية توضع خلف الظهر، وتفسر على ضوء الواقع الجاهلي، وستبقى هذه الأمة ودعواتها تراوح مكانها، ونفس القصة تتكرر في صور عديدة، لكنها واحدة ما لم تنطلق من الصفر، وما دام ليس هناك تميز وصراحة في مواجهة المرض.

   فإن يفعلوا فذاك، وإلا فإني أبشرهم بخيبة أمر طويلة وعريضة، وسيلازمهم الذل والصغار طول الدهر، مصداقا لقول الله -تعالى-: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا)، قال عمر بن الخطاب –رضي الله عنه-: (كنا أذلة فأعزنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله).

   أمام هذه الأمة اليوم حلان لا ثالث لهما: فإما أن تترك الإسلام صراحة –وهذا ما لا نتمناه لها- وإما أن تلتزم به حقيقة، لأنه من غير الممكن تطبيق أي شريعة على أمة لا زالت لا تعرف هويتها، فلا هي علمانية صريحة في اتباعها لهذا المذهب أو غيره، ولا هي مسلمة حقيقة، بكل ما تحمله هذه الصفة من معنى، وما تفرضه عليها مسؤولية حملها لهذا الدين كرسالة ونموذج حياة متكامل.

   ولذلك فإننا نناشدهم الله أن يدخلوا في دين الله كما شرعه الله، وإلا فليتركوه وشأنه.

أعلى الصفحة
أضف تعليقك
تحميل

أضف هذا الموقع إلى المفضلة