الرئيسة مؤلفات وردود مقالات شـعـر مواقع اتصل بنا
هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ             َهذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ
 الصفحة الرئيسة
  مقالات
      (خطر الشيعة) على من ؟



(خطر الشيعة) على من ؟

محمد سلامي - تاريخ الإضافة: 15 - 02 - 2013 - - Share - -



المسلم بين المشركين صاحب قضية، هذه القضية هي خلاصة عقيدته، ومن عقيدته ينطلق في تعامله مع الغير، ولا ينساق وراء ما تمليه عقائد الآخرين على أتباعها من انشغالات لا تهمه هو في دعوته الخاصة، ولا ينجر خلف معارك هامشية تُضيع عليه هدفه المحدد، وهذا كان واضحا في دعوات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فقد وجدوا ولاءات وصراعات لم يجاروها، فليست هي معركتهم، وإن كان فيها حق وباطل.

وإثارة المسائل الشرعية يختلف عن إثارة مسائل الرياضيات، فالمسائل الشرعية مرتبطة ارتباطا وثيقا بالواقع والظرف المحيط.

هناك نهج برز بقوة في الآونة الأخيرة وهو تصنيف الناس إلى سنة وشيعة، ليصير هذا الفرز حدا فاصلا للولاء والبراء، ثم جبهة للمواجهة، هذا التصنيف الذي امتصته العقائد الوطنية والقومية قد أُثير من جديد، لتصبح حدود التماس بين الطائفتين هي خطوط القتال عوضا عن الحدود السياسية أو العرقية.

وهناك من يريد الضحك على أذقان من لا دين لهم بالقول: إنكم معشر أهل السنة والجماعة مستهدَفون من طرف الشيعة.

والتقى هذا مع مصلحة الحكام المهددة عروشهم لصرف أنظار شعوبهم إلى معارك تجعل الجبهة الداخلية موحدة حكاما ومحكومين ضد خطر خارجي هو الشيعة، فتنسى هذه الشعوب ضرورة التغيير الجارية باستشعارها الخطر الإقليمي عوض الإستبداد الداخلي، وتدخل في صراع على أساس (سنة ـ شيعة).

وفق قاعدة يحفظها الحكام منذ القدم، وهي مواجهة الخطر الداخلي بتوجيه المعركة نحو الخارج، ولو باستحداث عدو وهمي، وهذا لا يكون إلا بالإصطفاف خلف الحاكم حامي الحمى، وتأجيل المطالب الداخلية أو إلغائها.

والشعار المرفوع هو (حماية أهل السنة والجماعة)، حيث قسّمت هذه الأمة إلى طائفتين لا ثالث لهما، الشيعة من جهة وأهل السنة من جهة بكل ما فيهم من علمانيين وقبوريين، فهذا مسكوت عنه خاصة في هذه الفترة، إلا بالقدر الذي يكون في صالح السلطة ويقمع معارضيها، وبالتالي فالفتاوى ستسير وفق هذا الخط ولا تحيد عنه، حتى كفر الديمقراطية يُنكَر على المعارضين فقط لا على الحكام.

في بعض البلاد التي لم يكن أهلها يعرفون الفرق بين الشيعي والشيوعي، ينتشر خبر عن مجلس سري يُسب فيه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، فتنخلع قلوب الناس لهذا الخطب الذي ألمّ بهم، وتتعالى الصيحات فوق المنابر وفي وسائل الإعلام، في وقت لا يوجد فيه شارع ولا مقهى ولا مدرسة ولا ثكنة إلا ويُسبّ فيها الله عز وجل صباح مساء كشرب الماء وشمّ الهواء! آالله خير أم أبو بكر؟!

فمن لا يسب أبا بكر وعائشة فهو من أهل السنة والجماعة، حتى وإن كان يسب ربَّ أبي بكر ودينَه، ومن لم يكن من الشيعة فهو سنّي، حتى السفير الأمريكي المنحدر من أصول شرقية (سنيٌّ حنفي المذهب!).

والصوفية جزء لا يتجزأ من (أهل السنة والجماعة!)، وهم لا يقلّون جهالة عن الشيعة، وقد كانوا عامة أجدادنا مهما حاولنا أن نتناسى ذلك، وصار يُخشى من تسرب التشيع إليهم واستغلالهم من طرف الشيعة، بمعنى أن الخطر الوحيد هو أن ترتبط بالشيعة، ولا خطر في الشرك بالله مادام مَحلّيا.

وأخبار عن تسرّب الشيعة في مفاصل الدولة عن طريق زواج مسؤولين وضباط بنساء من إيران وجنوب لبنان في مؤامرة مدبّرة ضد (دول أهل السنة والجماعة!).

فأي شحمة هذه التي سقطت على كلب العلمانية وهو نائم؟! إذ أن القضية لم تعُد قضية إسلام أو كفرٍ متغلب يعزل الإسلام في المسجد، فإن (أهل السنة والجماعة!) قد فصَلوا في هذا بأنه كفر دون كفر.

ولا حتى قضية استبداد وفساد وشعوب مقهورة، فإن (أهل السنة والجماعة!) قد فصلوا في هذا بعدم جواز الخروج على الحاكم وإن كفر، ما بالك إن سرق فقط؟ وإنما هي قضية الحسين ويزيد! ويجب أن يُرفع قميص عثمان وقميص الحسين من جديد، وإلى الأبد.

وبالطبع يتم استمداد المبررات من ميراث الطائفتين، وتُربط بكثير من العنصرية الشعوبية في جوهرها، وتُستحضَر النصوص في مثالب العرب والفرس ومحاسنهم، ويستدعى التاريخ السيء والحسن لتغذية ذلك.

فينسب هذا الطرف خصمَه إلى الأمويين!، ويرد عليه الآخر: أنتم ورّطتم الحسين ثم خذلتموه!، بينما التاريخ يقول أن الحسين وأهل العراق وبنو أمية وسائر الأمة ممن ناصر هذا أو ذاك أو لم يناصر أحدا منهم كانوا كلهم على عقيدة واحدة هي: الإسلام، ولم يعرفوا حينها دين الذين يتسمّون اليوم بالسنة أو الشيعة، ولك أن تتأمل الفرق الشاسع بين العلويين الذين كانوا يدعون إلى ما كانوا يرونه حق ذرية علي في السلطة والعلويين الذين يؤلهون عليا من دون الله اليوم.

لقد كان التشيع سياسيا غير عقدي، وبعد ذلك العصر صار ما يندرج في إطار المصالح المرسلة عند الكثيرين ديانة وعقيدة يبنى على الإعتقاد فيها كفر وإيمان وجنة ونار.

وليس شيعة الحسين قديما هم أنفسهم عبّاده اليوم حتى يلاموا على جبنهم السابق، فهم اليوم شجعان محاربون، إلا إذا كان الأمر من باب المجاز، كأن ننسب جبن يهود اليوم إلى جبن بني إسرائيل قديما وخذلانهم لموسى عليه الصلاة والسلام، وإلا فإن بني إسرائيل الأولين هم وصحابة محمد صلى الله عليه وسلم سواء، فهم على دين واحد، مهما بلغت الإنحرافات، إلا إذا وصلت حد الكفر، والمسلم أولى بموسى من اليهود، يؤمن بالإنتماء إلى قوم موسى عليه السلام، ويتعاطف معهم، ويحس بأن قضيتهم هي قضيته، حتى ولو اتصل نسبه بفرعون، وهذا ما يميّزنا عن غيرنا.

المسلم يصنف الناس الى مسلمين وكفار لا سنة وشيعة، وهؤلاء الذين يقولون: فرقتم المسلمين وكفرتموهم لا يتورعون عن تكفيرهم بما لا كفر فيه، ولا يخجلون من تفرقتهم بمسائل فقهية مرفوعة فوق كل شأن، ومنها مسائل اختلف فيها علماء أهل السنة كما اختلف فيها الشيعة، لو راح بعضهم يدعو النصارى للإسلام لأنكر عليهم تصاوير الكنيسة قبل الكفر، وقذف أم المؤمنين بما برّأها الله منه لا يهتم الناس بما فيه من تكذيب للقرآن، ولكن ينكرون التطاول عليها فقط.

لا نستهين بأي حكم من شرع الله، ولا نقول: هو من القشور، لكن الناس يطرحون المسائل بطريقة تغطي على الكفر، ويحولون التوحيد حقيقة إلى قشور لا شأن لها، فالمهم عندهم موقفك من سب الصحابة وزواج المتعة، هذا هو المعيار، كمثل الذين يهربون من غلو الخوارج وهم غارقون في غلو كغلو النصارى، يختلفون في من كان أحق بالخلافة قديما وهم غارقون في الديمقراطية العلمانية، حتى الذين كانوا يدعون لحكم الإسلام لم يستطيعوا إنهاء حكاية (فصل الدين عن الدولة) لما وصلوا إلى الحكم.

وفي هذا الشأن نرى تقييم فلان بميزان قوله بكذا من مسائل فقهية، ولا يسأل أحد عن موقعه من الكفر الذي اجتمعت عليه الأمة ولم يختصّ به مذهب دون آخر، هنا يتجلى قدر التوحيد في قلوبنا، وهنا نعرف موقعنا من هذا الدين، وهذا هو الدين، موقف وانتماء وولاء، على أي أساس تصنّف الناس؟ ومع من أنت؟ وما هو هدفك؟

من المعلوم أن عقائد الشيعة هي ركام من الخرافات، وما زالوا إلى اليوم يبتدعون العقائد والأحكام، فإن كان لك خيال واسع فتصور أي خرافة ستجد ما يشبهها في كتبهم ومدائحهم وبكائياتهم، لكن ليس كل ما قال به الشيعة كفر، فقد يكون مسألة متعلقة بالتأويل، لا يكفر المسلم بها إلا إذا قامت عليه الحجة وكذّبها، فالأذان بـ (حي على خير العمل) ليس كفرا، ولا حتى نكاح المتعة كفر بذاته، وسب الصحابي ليس كفرا، فالجميع يعلم أن من الصحابة من سب الآخر بل اقتتلوا ولم يكفروا، وقد كان علي بن أبي طالب يُلعن على المنابر زمن معاوية، فهل كفر المسلمون يومها؟ وهل كانت صلاتهم خلفه باطلة؟ كذلك حال من لعن معاوية رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين.

والخلاف في الوصية وُجدت أو لم توجد، وقولهم بأفضلية علي بن أبي طالب على أبي بكر وأحقيته بالخلافة ليس كفرا، فأن يوصي رسول الله صلى الله عليه وسلم بتولية فلان أو فلان أو يترك الأمر لاجتهاد المسلمين لينظروا من هو الأصلح، هذا لا علاقة له بأصل الدين ولا بفروعه، وأن يحكمنا أبو بكر أو علي، هذا لا علاقة له بالعقيدة ولا بالشريعة، وإلا لما كان الأمر متروكا لاجتهاد أهل الحل والعقد، وكيف يتناقش أهل السقيفة في أمر مفصول فيه شرعا؟ فما كانوا ديمقراطيين يحكّمون الأغلبية فيما حكم الله فيه، ولكن كانوا حنفاء مسلمين.

لقد كان الظلم الذي أصاب ذرية علي رضي الله عنه دافعا لانتشار محبتهم والتعاطف معهم على أساس أنهم ذرية النبي صلى الله عليه وسلم، ولقد كان هناك رد فعل على ظلم الأمويين والخوارج لآل البيت تراوح بين الإعتدال والشدة ففضلوا عليا على سائر الصحابة، ثم كان فيهم من كفّر الصحابة والمسلمين الذين لا يدينون بأفضليته وألّهوا عليا وألهوا ذريته من بعده، وهكذا نفهم سبب قيام دولة الشيعة الفاطمية على أنقاض دولة الخوارج الرستمية.

واليوم نرى ردود فعل اعتباطية، فالشيعة كفّروا من فضّل أبا بكر على علي، واعتبروا عدم تولية علي كفرا مخرجا من الملة، ولا تسأل عن الدليل.

والطرف الآخر وإن لم يكفّر من فضّل عليا إلا أنه جعل من مثل هذه المسائل محورا للولاء والبراء يحاربونها غافلين عن الكفر، ويتم فرز الناس وفق الإقتراب من الشيعة والبعد عنهم، فكل من يشم منه رائحة انتقاد معاوية أو حتى يزيد يتم تحييده.

ثم لماذا يُربط الشيعي بالمجوسي؟ ومتى كان أهل السنة يحكمون على بواطن الناس؟ إن كان في عقيدة الشيعة كفر فحكمهم الكفر لذات الكفر الظاهر، لا نحاكم نياتهم ونعلن أن هدفهم المبطّن عبادة النار، ونصيح: المجوس قادمون! وهذا أشبه بذاك الشيخ الذي اتهم أحد مدعي النبوة في أمريكا بالعمالة للمخابرات الأمريكية، وكأنه لم يجد وسيلة غير تلك التهمة للإستدلال على كفره وصرفِ أتباعه عنه نظرا لغياب العقيدة.

فهؤلاء المغرر بهم الذين يجلدون ظهورهم بالسلاسل لا ريب أنهم صادقون في حزنهم لما أصاب الحسين وآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من الظلمة، وحتى بغضهم لعمر بن الخطاب إنما هو انحياز لفاطمة كما يتوهمون، لا بقصد الإنحياز لكسرى بن هرمز، فلا يصح تقويلهم ما لم يقولوه ولا تكفيرهم بالمآل وإن كانوا كفارا.

حتى وإن كان الشيعة الفرس يفتخرون بكسرى، ألا يفتخر (سنتكم) بفرعون مشيّد الإهرامات؟ أكفاركم خير من كفارهم؟ وبقدر فخركم بقوميتكم العربية يفخر هؤلاء بقوميتهم الفارسية، فالشعوبية هي سلسلة من ردود الأفعال، تصبح دينا يوم يغيب الدين.

ولهذا فالقضية لمن يهمّه الأمر هي أن ندعو الشيعة بنفس طريقة دعوتنا للنصارى، وننكر عليهم تأليه البشر من دون الله، وهكذا يُحل الصراع التاريخي، وكل الخرافات والأساطير والخلافات ستنتهي، وقبل ذلك علينا أن نلتفت إلى أنفسنا، فعندما يعرف العرب الإسلام سيعرفه الفرس ويدخلون فيه أفواجا، أما ما نراه فلا يعدو أن يكون محاولة لإقناع الشيعة بأن أصنام قريش خير من نار المجوس.

إن الحرب مع الشيعة لا تجعل الناس يهتمون بالتوحيد كما يظن ذوو القلوب الطيبة، وإن كانت تطرح أسئلة في الساحة، ويكون هناك تفكير في جوانب من العقيدة، لكن لصالح العقيدة الأخرى فقط، فليس هناك من الطائفتين من ينقد نفسه، فالنزاع في باكستان ولبنان بين (السنة) و(الشيعة) لم يدعهم للتفكير في التوحيد، لأن الخلاف يتحول إلى نزاع عرقي أو قبلي، فالعقيدتان موروثتان كلاهما، وكل طرف يتمسك بما وجد عليه آباءه، ويجري استعمال العقيدة للدفاع عن الطائفة، وتبرير الوضع القائم لا تغييره، وفي غمرة الإندفاع والعناد والثأر لا يكون هناك تفكير واعتبار ومراجعة للنفس.

فيقتتلون باسم (السنة) و(الشيعة)، وفي النهاية تنتصر العلمانية كحاضنة للجميع، ونسمع بعدها حديث (دعوها فإنها منتنة) في حق كل اصطفاف طائفي وإن كان (أهل السنة والجماعة)، وتختفي حينها الأضواء المسلطة على خزعبلات الشيعة، وتحل المواطنة محل الطائفية، والتسامح بدل الكراهية، ويفسح المجال لدعاة التقريب الذين يقررون أن الخلاف يناقش في الغرف المظلمة لا على الهواء، وعدم الدعوة لمذهب في بلاد الآخر، وينام الناس والكفر ينخر عقائدهم، وماداموا يقرّبون بين الإسلام والنصرانية فالسنة والشيعة أولى وأحق.

وإلا كيف نفسر أن مناهضي التشيع ومسعّري الحرب أنفسهم ينكرون على إيران أنها دولة طائفية لأن الحكم فيها للشيعة وحدهم، بمعنى أنهم يريدون مشاركة في الحكم، وهذا لا يكون دون فرض الديمقراطية العلمانية وعزل فقه السنة والشيعة معا عن الحكم، وماداموا لا يرون حرجا في مشاركة القبطي والماروني فالشيعي أولى.

هذا ليعلم الذين يظنون أن حكامهم تهمّهم عقيدة أهل السنة والجماعة أنه قد تم استغلالهم وتوظيفهم بشكل مفضوح، والنتيجة لا سنة ولا إسلام، ولو أهمّتهم ما نشروا التصوف الذي يخدمهم، ولو عرف الناس الإسلام ما استطاعت أي قوة تعبئتهم وتجنيدهم لصالحها، ولانطلقوا من منطلقات الإسلام لخدمة الإسلام.

هذه المعاني المغيبة هي التي يجب أن تشاع بين الناس ويهضموها، ولا نساهم في تسطيح عقولهم وتمييع قضية الدين، وتحويلها إلى موجة يركبها الطغاة.

أعلى الصفحة
أضف تعليقك
تحميل

أضف هذا الموقع إلى المفضلة